كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 8)

لكن الصحيح أنها تصح من كل كافر، والدليل على هذا حديث بريدة الذي رواه مسلم في صحيحه: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم أوصاه بوصايا، منها: أنه إذا لم يسلم القوم فيدعوهم إلى أخذ الجزية فإن أبوا قاتلهم» (¬1)، وهذا دليل على العموم، ويدل لذلك أيضاً: كون النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر (¬2) مع أنهم ليسوا من أهل الكتاب فيدل على أنها تؤخذ من كل كافر، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنه إذا جاز أخذها من أهل الكتاب والمجوس، فغيرهم مثلهم؛ لأن المقصود إقرار الكافر على دينه على وجه معين أو مخصوص وهو حاصل لكل كافر، وعلى هذا فإذا طلب أحد من المشركين أن نأخذ منه الجزية ويقر على دينه ورأينا المصلحة في ذلك فإننا نفعله.
تنبيه: زعم بعض العلماء أن المجوس لهم شبهة كتاب، ولكن نقول: أين الشبهة وأين الكتاب المشتبه فيه؟ إنما أخذها الرسول صلّى الله عليه وسلّم منهم؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، فإذا كان الدين لله وغلب الدين الإسلامي على غيره، وأعطى هؤلاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فهذا هو الذي نريده، نحن لا نريد أن نلزم الناس بالإسلام، نريد أن يلتزم الناس بالإسلام، أي بأحكامه حتى يكون الإسلام هو العالي، وكلمة الله هي العليا، هذا هو الصحيح، وأن قتال الكفار لا لإلزامهم بالإسلام، ولكن لإلزامهم
¬__________
(¬1) سبق تخريجه ص (23).
(¬2) سبق تخريجه ص (56).

الصفحة 58