كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 8)

قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: مَرَرْتُ فِي بَعْضِ بِلَادِ الشَّامِ فَإِذَا حَجرٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ نَقْشٌ بَيِّنٌ بِالْعَرَبِيَّةَ وَالْحَجَرُ عَظِيمٌ
[البحر الخفيف]
§كُلُّ حَيٍّ وَإِنْ بَقِي ... فَمَنَ الْعَيْشِ يَسْتَقِي
فَاعْمَلِ الْيَوْمَ وَاجْتَهَدْ ... وَاحْذَرِ الْمَوْتَ يَا شَقِي
قَالَ: فَبَيْنَا أَنا وَاقِفٌ، أَقْرَؤُهُ وَأَبْكِي فَإِذَا أَنا بِرَجُلٍ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ شَعَرِ فَسَلَّمَ عَليَّ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَرَأَى بُكَائِي فَقَالَ: مَا يبْكِيكَ؟ فَقُلْتُ: قَرَأْتُ هَذَا الْنَقْشَ فَأَبْكَانِي قَالَ: وَأَنْتُ لَا تَتَّعِظُ وَتَبْكِي حَتَّى تُوعَظُ ثُمَّ قَالَ: سِرْ مَعِي حَتَّى أُقْرِيكَ غَيْرَهُ فَمَضَيْتُ مَعَهُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَإِذَا أَنا بِصَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ شَبِيهَةٍ بِالْمِحْرَابِ قَالَ: اقْرَأْ وَابْكِ وَلَا تَعْصِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَتَرَكَنِي وَإِذَا فِي أَعْلَاهُ نَقْشٌ بَيِّنٌ عَرَبِيٌّ:
لَا تَبْغِيَنَّ جَاهًا وَجَاهُكَ سَاقِطٌ ... عِنْدَ الْمَلِيكِ وَكُنْ لِجَاهِكَ مُصْلِحًا
وَفِي الْجَانِبِ الْأَخَرِ نَقْشٌ بَيَّنٌ عَرَبِيٌّ:
[البحر المنسرح]
مَنْ لَمْ يَثِقْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ... لَاقَى هُمُومًا كَثِيرَةَ الضَّرَرِ.
وَفِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْهُ نَقْشٌ بَيَّنٌ عَرَبِيٌّ:
مَا أَزْيَنَ التُّقَى. وَمَا أَقْبَحَ الْخَنَا. وَكُلُّ مَأْخُوذٍ بِمَا جَنَى. وَعِنْدَ اللهِ الْجَزَا. وَفِي أَسْفَلِ الْمِحْرَابِ فَوْقَ الْأَرْضِ بِذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ:
وإِنَّمَا الْعِزُّ وَالْغِنَى فِي تُقَى اللهِ وَالْعَمَلِ فَلَمَّا تَدَبَّرْتُهُ وَفَهِمْتُهُ الْتَفَتَ إِلَيَّ صَاحِبِي فَلَمْ أَرَهُ فَلَا أَدْرِي مَضَى أَوْ حُجِبَ عَنِّي
قَالَ وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، يَقُولُ هَذَا كَثِيرًا وَكَانَ مُدْمِنًا:
[البحر الطويل]
§لِمَا تَعِدِ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ شُرُورِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطِّفْلِ سَاعَةَ يُوضَعُ
وَإِلَّا فَمَا يُبْكِيهِ مِنْهَا وَإِنَّهَا ... لَأَرْوَحُ مِمَّا كَانَ فِيهِ وَأَوْسَعُ
إِذَا أَبْصَرَ الدُّنْيَا اسْتَهَلَّ كَأَنَّمَا ... يَرَى مَا سَيَلْقَى مِنْ أَذَاهَا وَيَسْمَعُ "
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ الْمَنْصُورِيُّ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: وَقَفَ رَجُلٌ صُوفِيٌّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ لِمَ حُجِبَتِ الْقُلُوبُ عَنِ اللهِ، قَالَ: «§لِأَنَّهَا أَحَبَّتْ -[13]- مَا أَبْغَضَ اللهُ أَحَبَّتِ الدُّنْيَا وَمَالَتْ إِلَى دَارِ الْغُرُورِ وَالْلَهْوِ وَالْلَعِبِ وَتَرَكَتِ الْعَمَلَ لِدَارٍ فِيهَا حَيَاةُ الْأَبَدِ فِي نَعِيمٍ لَا يَزُولُ وَلَا يَنْفَدُ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِي مُلْكٍ سَرْمَدٍ لَا نفادَ لَهُ وَلَا انْقِطَاعَ»

الصفحة 12