كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 8)

ويهود بني قريظة والنضير فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً يعني الصبا. قال عكرمة: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي بنصر رسول الله صلّى الله عليه، فقالت الشمال: إنّ الحرة لا تسري بالليل، فكانت الريح التي أرسلت عليهم هي الصبا.
قال رسول الله صلّى الله عليه: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور «1» .
وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة ولم تقاتل يومئذ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً قال المفسّرون: بعث الله تعالى عليهم بالليل ريحا باردة، وبعث الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، فأرسل الله عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتّى كان سيّد كلّ حيّ يقول: يا بني فلان هلمّ إليّ فإذا اجتمعوا عنده قال: النجا النجا أتيتم، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال.
أنبأني محمد بن القاسم الفارسي قال: أخبرني أبو الحسن السليطي قال: أخبرني المؤمل ابن الحسن، عن الفضل بن محمد الأشعراني «2» عن عمرو بن عون، عن خالد بن عبد الله، عن أبي سعد سعيد بن عبد الرحمن البقّال، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه وأنبأني عقيل بن محمد، عن المعافى بن زكريا، عن محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي، عن سلمة، حدّثني محمد بن يسار، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرطي قالا: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلّى الله عليه وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنّا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا، ولخدمناه وفعلنا وفعلنا.
فقال حذيفة: يا بن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالخندق في ليلة باردة، لم أجد قبلها ولا بعدها بردا أشدّ منه، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه هونا من الليل ثمّ التفت إلينا فقال: «من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنّة» [7] «3» .
فما قام منّا رجل، ثمّ صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم هونا من الليل، ثمّ التفت إلينا فقال مثله، فسكت القوم وما قام منّا رجل. ثمّ صلّى رسول الله صلّى الله عليه هونا من الليل، ثمّ التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنّة؟ فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد، فلمّا لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: يا حذيفة، فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني، فقلت: لبّيك يا رسول الله، وقمت حتى أتيته وإنّ
__________
(1) مسند أحمد: 2/ 228، صحيح البخاري: 2/ 22.
(2) في نسخة أصفهان: الشعراني.
(3) كنز العمال: 10/ 449، الدر المنثور: 5/ 185.

الصفحة 11