كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 8)
الْخُبْزَ بِالْعَسَلِ وَلَا يَسْقُونِي قَطْرَةً مِنْ مَاءٍ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَسَخِنَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ قَائِظُونَ فَنَزَلُوا فَضَرَبُوا أَخْبِيَتَهُمْ وَتَرَكُونِي فِي الشَّمْسِ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالُوا لِي فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: اتْرُكِي مَا أَنْتِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَمَا دَرَيْتُ مَا يَقُولُونَ إِلَّا الْكَلِمَةَ بَعْدَ الْكَلِمَةِ فَأُشِيرُ بِإِصْبَعِي إِلَى السَّمَاءِ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى ذَلِكَ وَقَدْ بَلَغَنِي الْجَهْدُ إِذْ وَجَدْتُ بَرْدَ دَلْو عَلَى صَدْرِي فَأَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُ مِنْهُ نَفَسًا وَاحِدًا ثُمَّ انْتُزِعَ مِنِّي فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ ثُمَّ دُلِّيَ إِلَيَّ ثَانِيَةً فَشَرِبْتُ مِنْهُ نَفَسًا ثُمَّ رُفِعَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ دُلِّيَ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رُوِّيتُ وَأَهْرَقْتُ عَلَى رَأْسِي وَوَجْهِي وَثِيَابِي، قَالَتْ: فَخَرَجُوا فَنَظَرُوا فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ؟، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ غَيْرِي مَنْ خَالَفَ دِينَهُ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ مِنْ أَيْنَ هَذَا فَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، قَالَتْ: فَانْطَلَقُوا سِرَاعًا إِلَى قِرَبِهِمْ وَأَدْوَاهُمْ فَوَجَدُوهَا مُوكَأَةً لَمْ تُحَلَّ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَبَّكِ هُوَ رَبُّنَا وَأَنَّ الَّذِي رَزَقَكِ مَا رَزَقَكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْدَ أَنْ فَعَلْنَا بِكِ مَا فَعَلْنَا هُوَ الَّذِي شَرَعَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا جَمِيعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ فَضْلِي عَلَيْهِمْ وَمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيَّ وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وَهِيَ مِنَ الْأَزْدِ، فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وَكَانَتْ جَمِيلَةً، وَقَدْ أَسَنَّتْ فَقَالَتْ: إِنِّي أَهَبُ نَفْسِي لَكِ وَأَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْكَ فَقَبِلَهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا فِي امْرَأَةٍ حِينَ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ خَيْرٌ، قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: فَأَنَا تِلْكَ فَسَمَّاهَا اللَّهُ مُؤْمِنَةً، فَقَالَ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ اللَّهَ لَيُسْرِعُ لَكِ فِي هَوَاكِ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ مَنْ عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُمِّ شَرِيكٍ وَإِنَّ الثَّبْتَ عِنْدَنَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ دَوْسٍ مِنَ الْأَزْدِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ
الصفحة 156