كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 8)

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ لَهُ ابْنٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ فَكَانَ النَّبِيُّ يَسْتَقْبِلُهُ فَيَقُولُ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» وَالنُّغَيْرُ طَائِرٌ، قَالَ: فَمَرِضَ وَأَبُو طَلْحَةَ غَائِبٌ فِي بَعْضِ حِيطَانِهِ فَهَلَكَ الصَّبِيُّ فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ وَحَنَّطَتْهُ وَسَجَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَقَالَتْ: لَا يَكُونُ أَحَدٌ يُخْبِرُ أَبَا طَلْحَةَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أُخْبِرُهُ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَتَطَيَّبَتْ لَهُ وَتَصَنَّعَتْ لَهُ وَجَاءَتْ بِعَشَاءٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَبُو عُمَيْرٍ، فَقَالَتْ: تَعَشَّهْ فَقَدْ فَرَغَ، فَتَعَشَّى وَأَصَابَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ أَهْلَ بَيْتٍ أَعَارُوا أَهْلَ بَيْتٍ عَارِيَةً فَطَلَبَهَا أَصْحَابُهَا أَيَرُدُّونَهَا أَوْ يَحْبِسُونَهَا؟ فَقَالَ: بَلْ يَرُدُّونَهَا عَلَيْهِمْ، قَالَتْ: فَاحْتَسِبْ أَبَا عُمَيْرٍ، فَانْطَلَقَ كَمَا هُوَ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: «§بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا» قَالَ: فَحَمَلْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَتَّى إِذَا وَضَعْتُهُ وَكَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اذْهَبْ بِهَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الْمِكْتَلِ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُحَنِّكُهُ وَيُسَمِّيهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم فَمَدَّ النَّبِيُّ رِجْلَيْهِ وَأَضْجَعَهُ وَأَخَذَ تَمْرَةً فَلَاكَهَا ثُمَّ مَجَّهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ: «أَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا حُبَّ التَّمْرِ» .
أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَلَدَتْ أُمِّي أُمَّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ فَبَعَثَتْ بِهِ مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَقُلْتُ هَذَا أَخِي بَعَثَتْ بِهِ أُمِّي إِلَيْكِ، قَالَ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَمَضَغَ لَهُ تَمْرَةً فَحَنَّكَهُ بِهَا فَتَلَمَّظَ الصَّبِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «§حُبُّ الْأَنْصَارِ لِلتَّمْرِ» .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَا -[432]-: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: ثَقُلَ ابْنٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتُوُفِّيَ الْغُلَامُ فَهَيَّأَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَمْرَهُ وَقَالَتْ: لَا تُخْبِرُوا أَبَا طَلْحَةَ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَرَجَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ يَسَّرَتْ لَهُ عَشَاءَهُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْغُلَامُ أَوِ الصَّبِيُّ؟ قَالَتْ: خَيْرَ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ لَهُ عَشَاءَهُ فَتَعَشَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ قَامَتْ إِلَى مَا تَقُومُ لَهُ الْمَرْأَةُ فَأَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَلَمْ تَرَ إِلَى آلِ فُلَانٍ اسْتَعَارُوا عَارِيَةً فَتَمَتَّعُوا بِهَا فَلَمَّا طُلِبَتْ إِلَيْهِمْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، قَالَ: مَا أَنْصَفُوا، قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ فُلَانًا كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللَّهِ فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ وَحَمِدَ اللَّهَ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: «§بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا» فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَوَلَدَتْ لَيْلًا فَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ هِيَ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعَ أَنَسٍ وَأَخَذَتْ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ فَانْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يَهْنَأُ أَبَاعِرَ لَهُ وَيَ‍سِمُهَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّيْلَةَ فَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى تُحَنِّكَهُ أَنْتَ، قَالَ: «مَعَكَ شَيْءٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: تَمَرَاتُ عَجْوَةٍ، فَأَخَذَ بَعْضَهَا فَمَضَغَهُ ثُمَّ جَمَعَهُ بِرِيقِهِ فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ فَتَلَمَّظَ الصَّبِيُّ، فَقَالَ: «حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ» قَالَ: فَقُلْتُ: سَمِّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هُوَ عَبْدُ اللَّهِ»

الصفحة 431