كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 8)

وهذه قصة تؤكد حل ميتة البحر. ففي السنة السادسة من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من الجيش، تبلغ ثلاثمائة رجل، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح المبشر بالجنة، بعثهم إلى ساحل البحر جهة قبيلة جهينة، على مسافة خمس ليال من المدينة، بعثهم ليعترضوا القوافل التجارية لقريش، التي تحمل تجارتهم من مكة إلى الشام، ومن الشام إلى مكة، وليستولوا على هذه الأموال عوضاً عن الأموال التي أخرجتهم منها قريش في مكة، بعثهم في أيام عصيبة على المسلمين، لا يجد الكثيرون منهم القوت الضروري، بل كان بيت المال خاوياً، لم يجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعين به هذا الجيش سوى كيس واحد من التمر، فزودهم به، وحمل كل منهم ما يقدر عليه من التمر والماء، خمس ليال من السفر أكل كل منهم من زاده الذي يحمله، أو مما يمنحه به صديقه، حتى قل ما في أيديهم، فبدأ أبو عبيدة يصرف عليهم من كيس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل رجل قبضة تمر في اليوم، يومين أو ثلاثة وقد كاد الكيس يفرغ، فأخذ يعطي الرجل تمرة واحدة في اليوم، يضعها الرجل في فمه، ويمصها، ويبلها كل حين بشيء من الماء، حتى يقضي يومه، وانتهى ما في الكيس من تمر، ولم يتبين للقوم عودة، فجمع أبو عبيدة ما مع القوم من تمر، ووضعه في كيس أخذ يعطي منه كل رجل تمرة في اليوم، ونفذ التمر الذي في الجيش، فخرجوا إلى الشجر، يضربون ورقه بعصيهم، ويأكلون ما يسقط من أوراق، واشتد بهم الجوع، لكن رحمة الله الواسعة أدركتهم، فقذف لهم البحر بدابة عظيمة، يزيد طولها على الأربعين متراً، أسرعوا إليها فإذا هي لا حراك بها، عزموا على الأكل منها، فقال لهم أبو عبيدة: إنها ميتة، وأكل الميتة حرام، قالوا: نحن مضطرون، ونحن نجاهد في سبيل الله؟ وخفي عليهم أن ميتة البحر حلال، فقطعوا منها قطعاً، كل قطعة في حجم الثور، وأخذوا يشوون على النار، ويأكلون، ويحملون الدهن من عين الدابة ويطبخون، أفرغوا عينا
من عيونها، ما أوسعها؟ إنا أشبه بحجرة، هيا نتسلى وننظر سعتها، كم من الرجال الواقفين تتسع لهم؟ واتسعت لخمسة عشر رجلاً، قطعوا ضلعاً من أضلاعها، ما أكبره؟ وما أطوله؟ هيا نتسلى وننظر طوله، اغرسوه في الأرض وأوقفوه، واغرسوا واحداً آخر، واجعلوهما كقوس، وهاتوا أعلى جمل في الجيش، وأطول رجل في الجيش، وليركب الرجل الجمل، وليمر من تحت الضلعين، ففعل، ولم تمس رأسه الضلعين. أكلوا من الدابة خمسة عشر يوماً، وما نفذت، حملوا معهم ما بقي من لحمها إلى المدينة، وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من أمرهم، فحمد الله لهم، وقال: هذا رزق حلال ساقه الله لكم، إن ميتة البحر حلال، هل معكم شيء من لحمها؟ قالوا: نعم، فجاءوه بقطعة منها، فأكلها إعلاناً لهم بحلها لغير المضطر. فلله الحمد والمنة ولرسوله صلى الله عليه وسلم جزاء ما بلغ، ولأصحابه الرضوان أجمعين.

-[المباحث العربية]-
(بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأمر علينا أبا عبيدة- نتلقى عيراً لقريش) في الرواية الثانية بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد عيراً لقريش" وفي الرواية الخامسة "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، ثلاثمائة، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح" وفي الرواية

الصفحة 14