كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 8)

وتعتمد النوبات الموسيقية على إنشاد الشعر الأندلسي. فالأبيات أو القطع الشعرية تتغنى بجمال بلاد الأندلس، ويكون منها أنغام (فرحة)، كما أنها قد تكون حزينة تبدي التأسف على العهد السالف. والأشعار قد تكون في موضوع الغزل والغرام. والغريب أن الشعر الجزائري، سواء كان حول الطبيعة أو حول النفس، لا يغني عادة. ونحن نجد هذه الظاهرة في الشعر الصوفي أيضا. أما أشعار القوالين والمداحين فهي من إنشاد المنشدين أنفسهم أو من إنشاد شخصيات معروفة.
وفي عهد المدني كانت هناك جمعيات ومنظمات تهتم بالموسيقى، وذلك يدل على النشاط الذي أخذ يدب في جميع أوصال الشعب، وهو النشاط الذي عبرنا عنه في مكان آخر بالنهضة. ففي العاصمة تكونت الجمعيات الموسيقية التالية: المطربية، والأندلسية، والجزائرية، والزاهية، والجوق المسائي لمحمد سفنجة. وتكون في تلمسان جوق الحاج العربي بن صاري، كما تكونت أجواق أخرى في غير العاصمة وتلمسان للمحافظة على التراث الموسيقي. وتكونت في العاصمة جمعية أخرى تسمى الطليعة (¬1)، وقد تبنت الموسيقى الحديثة. فهل نفهم من هذا أن الجمعية كانت تهتم فقط بالموسيقى المتأثرة بالنغم الأوروبي والشرقي، مثل موسيقى محمد عبد الوهاب وسيد درويش؟ وقد ذكر المدني محاولة أخرى للموسيقى الحديثة، وهي جمعية محمد بن الموفق في العلمة. فهذه وفرقة الطليعة، في نظر المدني، حاولتا تقليد الجمعيات الموسيقية التونسية، ويبدو أن المحاولة لم تنجح (¬2). وقد ولد (المزهر البوني) وغيره من الجميعات الفنية خلال
¬__________
= النوبات والطبوع وصنفتها بأمثلة وتفاصيل كتاب (الموشحات والأزجال) في جزئين، تأليف جلول بن يلس والحفناوي أمقران، ط. الجزائر، ج 1، 1975، ج 2؟ 19. وقد استفدنا منه ولم ندرسه لأنه صدر بعد الثورة.
(¬1) لم يشر المدني إلى جمعية (الزاهية) ولا إلى جوق سفنجة. وقد صدر (كتاب الجزائر) سنة 1931.
(¬2) المدني، مرجع سابق، ص 341 - 342.

الصفحة 459