كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)
__________
الْوَسَطِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا نَوَى قَبْلَ السَّنَةِ أَكْلَ اللُّقَطَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا يُرِيدُ إذَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ، قَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا فِعْلٌ، انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فَلَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا رَدَّهَا بِمَوْضِعِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ ضَمِنَهَا فَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ سَاعَتَهُ كَمَنْ مَرَّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ فَوَجَدَ شَيْئًا فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَكَ فَيَقُولُ لَا فَتَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي وَاجِدِ الْكِسَاءِ بِأَثَرِ رُفْقَةٍ فَأَخَذَهُ وَصَاحَ أَهَذَا لَكُمْ فَقَالُوا لَا فَرَدَّهُ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ فِي رَدِّهِ وَلَا يَضْمَنُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: "لِيُعَرِّفْهَا" اُنْظُرْ هَلْ تَعْرِيفًا عَامًّا الَّذِي هُوَ السَّنَةُ أَوْ تَعْرِيفًا خَاصًّا كَوَاجِدِ الْكِسَاءِ؟ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقِيلَ إنَّ الثَّانِيَةَ بِخِلَافِ الْأُولَى وَإِنَّهُ ضَمِنَهُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَالْقُرْبُ وَالْبَعْدُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ يَعْنِي إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ وَإِلَيْهِ نَحَا اللَّخْمِيُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: مَنْ أَخَذَ لُقَطَةَ الْمَسْأَلَةُ، وَقَوْلُهُ: "فَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ" اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهَا فِي الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَرُدَّهَا بِالْقُرْبِ لِقَوْلِهَا فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا وَلَمْ يَضْمَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَهَذَا تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ. الشَّيْخُ: وَهَلْ تُوجِبُ النِّيَّةُ بِمُجَرَّدِهَا شَيْئًا أَمْ لَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ" فَمَنْ نَوَى قُرْبَةٌ فَلَا تَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا قَوْلٌ كَالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ هَذَا الْعَمَلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ فَهَذَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ كَالْجِوَارِ وَقِرَاءَةِ أَحْزَابٍ أَوْ نَوَى إطَالَةَ الْقِيَامِ فِي الرُّكُوعِ بَدَا لَهُ فِيمَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَ وَمَا لَمْ يَأْتِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالتَّعْرِيفُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَلَيْسَ فِيمَا يَأْتِي إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَانْظُرْ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: أَيْ: وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ الرَّجُلُ إذَا نَوَى لَمَّا وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَنْ يَأْخُذَهَا تَمَلُّكًا وَكَانَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ كَالْغَاصِبِ، انْتَهَى.وَإِنْ قلت: حَمَلْت اللَّفْظَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ قلت: بَلْ يُحْمَلُ وَغَايَةُ مَا يُورَدُ أَنِّي غَيَّرْت الْأَخْذَ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى الْمَنْصُوص وَقَدَّرْت مُضَافًا مَحْذُوفًا بَعْدَ قَبْلُ، أَيْ: قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ مَعْنًى وَلَا نَقْلًا، انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ "وَظَاهِرِهِ إلَى آخِرِهِ" وَاحْتِجَاجَهُ بِكَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اتِّفَاقًا فَيَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَأَوَّلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ
الصفحة 46