كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)

__________
فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الضَّمَانَ إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ ظَاهِرٌ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ اللُّقَطَةَ بِيَدِ مُلْتَقَطِهَا عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الشَّرْعِ وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا مَا لَمْ يَنْوِ اغْتِيَالًا وَغَصْبًا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ ضَمِنَهَا كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ نِيَّتُهُ حِينَ الْتَقَطَهَا وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ هَذِهِ النِّيَّةُ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ جَرَى ذَلِكَ عَلَى تَبَدُّلِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: قلت: يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَغْوِ أَثَرِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ تَغَيُّرِ بَقَائِهَا عَمَّا كَانَتْ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ، وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ السَّابِقَةُ عَنْ نِيَّةِ الِاغْتِيَالِ كَانَتْ مَقْرُونَةً بِالتَّعْرِيفِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ وَهِيَ بَعْدَهَا مَقْرُونَةٌ بِنَقِيضِ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْفِعْلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قلت: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحٌ فِي عِبَارَةِ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ وَلَوْ نَوَى أَكْلَهُ قَبْلَ الْعَامِ ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ.
فرع: قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. الْمَجْمُوعَةُ: وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ ضَمِنَهُ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَفِي صَيْرُورَتِهَا دَيْنًا عَلَى مُلْتَقِطِهَا لِإِرَادَةِ أَكْلِهَا أَوْ بِتَحْرِيكِهِ نَقْلَا الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ الْمُغِيرَةِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ لِرِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ ادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيُعَرِّفَ بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِأَشْهَبَ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَإِنْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقَطِ لَمْ يَضْمَنْ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ فِي هَذَا لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا: أَخَذْتهَا لِتَذْهَبَ بِهَا، وَقَالَ هُوَ: بَلْ لِأُعَرِّفَهَا صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَشْهَبُ: بِلَا يَمِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَا يُعَرَّفُ الْوَجْهُ الَّذِي الْتَقَطَهَا عَلَيْهِ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ أَوْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لَيُحْرِزَهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ دُونَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ حِينَ الْتِقَاطِهَا أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا حَالَ الْتِقَاطِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، انْتَهَى.

الصفحة 47