كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)

ـــــــ
كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَرَاجِعْهَا فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: أَحِجُّوا فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي أُعْطِيَ مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ بِهِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ لِيَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا يُفْهَمُ بِالْقَرَائِنِ عَنْ الْمُوصِي إنْ أَرَادَ الْإِرْفَاقَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَإِنْ أَرَادَ خُصُوصِيَّةَ النِّكَاحِ رَجَعَ مِيرَاثًا وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْرَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَجَاوُزِ النِّكَاحِ فَإِنْ انْعَدَمَ رَجَعَ مِيرَاثًا،
قلت: الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَغْزُوَ بِهِ فَلَمْ يَغْزُ أَنَّهُ يَرُدُّ وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ فَلَمْ يُسَافِرْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَمَنْ دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَقْرَأَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ التَّادَلِيَّ وَقَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ دَفَعَ لَهُ أَبُوهُ مَالًا لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ فَرَأَى أَنَّ غَرَضَ أَبِيهِ لَمْ يَحْصُلْ فَرَدَّ لَهُ الْمَالَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَرَضَهُ فَأَتَى أَبُوهُ إلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ فَشَكَا لَهُ أَمْرَهُ فَدَعَا لَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَهُ الْمُدَوَّنَةَ كَمَا فَتَحْتَهَا لِسَحْنُونٍ الْمَشَذَّالِيِّ، وَالصَّالِحُ الَّذِي دَعَا لَهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الشَّيْخُ أَبُو يَعْزَى -رحمه الله- قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْوَكَالَاتِ: وَإِذَا صَالَحَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَرِيمِ مِنْ مَالِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْمُوَكِّلُ الصُّلْحَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ عَلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْ الْغَرِيمِ مَا صَالَحَ عَلَى حَطِّهِ فَإِذَا لَمْ يَحُطَّ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْمٍ أَعَانُوا مُكَاتَبًا لِيَفُكُّوهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَعَانُوهُ كَفَافًا أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلُوا الْمُكَاتَبَ فِي حِلٍّ. وَمِنْ ذَلِكَ صُلْحُ مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا وَيَأْبَى أَوْلِيَاءُ الْآخَرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ عَلَى النَّجَاةِ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدَّعْوَى، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصَايَا: يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ مَالًا لِاشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ تُوُهِّمَ فِيهِ صَلَاحٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ الْحَافِظِ التَّادَلِيِّ وَيُشِيرُ لِمَا حَكَاهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: وَمَنْ أُعْطِيَ نَفَقَةً فَقِيلَ لَهُ تَقَوَّ بِهَا فِي السَّبِيلِ فَلْيَشْتَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَمْحَ وَالزَّيْتَ وَالْخَلَّ وَكُلَّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي السَّبِيلِ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ الدَّجَاجَ وَنَحْوَهُ وَمَا فَضَلَ فَرَّقَهُ فِي السَّبِيلِ أَوْ رَدَّهُ إلَى رَبِّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت هِيَ لَكَ فَهَذَا إذَا بَلَغَ فِي غَزْوِهِ صَنَعَ بِهِ مَا يَصْنَعُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْوَصِيُّ فَلَا يَجُوزُ مَا قَالَهُ الْوَصِيُّ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي غَيْرِ السَّبِيلِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا، انْتَهَى.
مسألة: إذَا قَالَ: تَصَدَّقْت بِجَمِيعِ مِيرَاثِي أَوْ بِمِيرَاثِي عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي الْغَنَمِ

الصفحة 5