كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)
__________
القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه، انتهى. هذا معناه من حيث اللغة. وأما معناه عند أهل الشرع فقال ابن رشد وتبعه ابن فرحون: حقيقة القضاء: "الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام". وقال ابن عرفة: "القضاء صفة حكمية، توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين" فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأخواتها والإمامة. وقول بعضهم: "هو الفصل بين الخصمين" واضح قصوره، انتهى. قلت: واعلم أن القضاء في اصطلاح الفقهاء يطلق على الصفة المذكورة كما في قولهم: "ولي القضاء" أي: حصلت له الصفة المذكورة، ويطلق على الإخبار المذكور كما في قولهم: "قضى القاضي بكذا" وقولهم: "قضاء القاضي حق أو باطل" غير أن في تعريف ابن رشد مسامحة من وجوه: الأول: ذكر لفظ الإخبار فإنه يوهم أن المراد به أمر الإخبار المحتمل للصدق والكذب المقابل للإنشاء وليس ذلك بمراد وإنما المراد به أمر القاضي بحكم شرعي على طريق الإلزام. الثاني: أنه يدخل فيه حكم الحكمين في جزاء الصيد وفي شقاق الزوجين وحكم المحكم في التحكيم ومنها أنه يدخل فيه حكم المحتسب والوالي وغيرهما من أهل الولايات الشرعية إذا حكموا بالوجه الشرعي وقول ابن عرفة: إن التحكيم يخرج من تعريفه لم يظهر لي وجه خروجه فإن المحكم لا يحكم ابتداء إلا في الأموال وما يتعلق بها وما في معناها مما لا يتعلق بغير الحكمين ولا يحكم في القصاص واللعان والطلاق والعتاق لتعلق الحق في ذلك بغيرهما قالوا: فإن حكم فيها بغير جور نفذ حكمه والظاهر أن التعديل والتجريح كذلك فتأمله، والله أعلم.
فائدة: قال ابن عرفة: حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بهما مع علمه بصغراه ولا خفاء أن العلم بهما أشق وأخصر من العلم بالكبرى فقط، وأيضا فإن فقه القضاء والفتيا مبنيان على إعمال النظر في الصور الجزئية وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها فيلغى طردها ويعمل معتبرها، انتهى. وأصله لابن عبد السلام ونقله في التوضيح. قال ابن عبد السلام: وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع علم الفقه ولكنه متميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء وربما كان بعض الناس عارفا بفصل القضاء وإن لم يكن له باع في غير ذلك من أبواب الفقه كما أن علم الفرائض كذلك وكما أن علم التصريف من علم العربية وأكثر أهل زماننا لا يحسنونه وقد