كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)
__________
فعلم من هذا أن كلام المؤلف ماش على ما عزاه ابن عرفة لعياض والمازري وابن العربي، والله أعلم. وقول المؤلف: "أمثل مقلد" يشير به إلى قول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: فإن لم يوجد مجتهد فمقلد إلا أنه ينبغي أن يختار أعلم المقلدين ممن له فقه نفيس وقدرة على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه ويعلم منه ما هو أجرى على أصل إمامه مما ليس كذلك وأما إن لم يكن بهذه المرتبة فيظهر من كلام الشيوخ اختلاف بينهم. هل يجوز توليته القضاء أو لا؟ وهذه المسألة مفرعة على جواز تقليد الميت، انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن عبد السلام هذا: قلت: قوله: "اختلاف في جواز توليته" إن أراد مع وجود ذي الرتبة الأولى فصحيح وإن أراد مع فقده فظاهر أقوالهم صحة توليته خوف تعطيل الحكم بين الناس دون خلاف في ذلك، انتهى. وقال ابن عبد السلام على جواز تقليد الميت: نقل ابن عرفة عن أهل الأصول انعقاد الإجماع على جواز تقليد الميت وسيأتي بعد هذا، وكلام القرافي في أول الباب الثاني من كتاب القضاء يؤذن بصحة ولاية هذا الذي قال ابن عبد السلام: إن فيه اختلافا فراجعه، والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قول المؤلف مجتهد إن وجد، قال البساطي: يقتضي أنه ممكن فإن عنى به أنه مجتهد في مذهب مالك فقد يدعى أنه ممكن وإن أراد المجتهد في الأدلة فهذا غير ممكن وقول بعض الناس أن المازري وصل إلى رتبة الاجتهاد كلام غير محقق؛ لأن الاجتهاد مبدؤه صحة الحديث عنده وهو غير ممكن ولا بد فيه من التقليد وقول الشيخ محيي الدين النووي: إنه ممكن كالكلام المتقدم، انتهى. وتأمل كلامه هذا فإنه يقتضي أن الاجتهاد غير ممكن والخلاف بين علماء الأصول إنما هو هل يمكن خلو الزمان عن مجتهد أم لا؟ وكلام ابن عبد السلام يشهد لإمكانه لقوله: وما أظنه انقطع بجهة المشرق فقد كان منهم من ينسب إلى ذلك ممن هو في حياة أشياخنا وأشياخ أشياخنا. ومواد الاجتهاد في زماننا أيسر منها في زمان المتقدمين لو أراد الله بنا الهداية، ولكن لا بد من قبض العلم بقبض العلماء كما أخبر به الصادق صلوات الله عليه، انتهى. ونحوه في التوضيح وزاد؛ لأن الأحاديث والتفاسير قد دونت وكان الرجل يرحل في سماع الحديث الواحد فإن قيل: يحتاج المجتهد إلى أن يكون عالما بمواضع الإجماع والخلاف، وهو متعذر في زماننا لكثرة المذاهب وتشعبها قيل: يكفيه أن يعلم أن المسألة ليست مجمعا عليها؛ لأن المقصود أن يحترز من مخالفة الإجماع وذلك ممكن، انتهى. وقول البساطي لا بد في صحة الحديث من التقليد لا يلزم منه عدم إمكان المجتهد؛ لأن التقليد في صحة الحديث لا يقدح في الاجتهاد فتأمله، والله أعلم. وقال ابن عرفة: وما أشار إليه ابن عبد السلام من يسر الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الأشياخ أن قراءة مثل هذه الجزولية والمعالم الفقهية والاطلاع على أحاديث الأحكام الكبرى لعبد الحق ونحو ذلك يكفي في تحصيل أدلة الاجتهاد يريد مع يسر الاطلاع على فهم مشكل اللغة بمختصر العين