كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)
__________
هذا القاضي فيما يمر به من نوازل الأحكام التي لا نص عنده فيها من قول مالك أو قول بعض أصحابه التي قد بانت له صحة أن لا يقضي فيها إلا بفتوى من يسوغ له الاجتهاد ويعرف وجه القياس إن وجده في بلده وإلا طلبه في غير بلده فإن قضى فيه برأيه ولا رأي له أو برأي من لا رأي له كان حكمه موقوفا على النظر ويأمر الإمام القاضي إذا لم يكن من أهل الاجتهاد ولا كان في بلده من يسوغ له الاجتهاد لا يقضي فيما سبيله الاجتهاد إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد، انتهى. وسيأتي كلامه على الطائفة التي أحال عليها في الكلام على المفتي.
وقال ابن الحاجب: فإن لم يوجد مجتهد فمقلد فيلزمه المصير إلى قول مقلده وقيل لا يلزمه وقيل لا يجوز له إلا باجتهاده، قال ابن عبد السلام: يعني إن ولي مقلد لعدم المجتهد فهل يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا يلزمه ذلك؟ والأصل عدم اللزوم وهو الأقرب إلى عادة المتقدمين فإنهم ما كانوا يحجرون على العوام اتباع عالم واحد ولا يأمرون من سأل أحدهم عن مسألة أن لا يسأل غيره لكن الأولى عندي في حق القاضي لزوم طريقة واحدة وأنه إذا قلد إماما لا يعدل عنه لغيره؛ لأن ذلك يؤدي إلى اتهامه بالميل مع أحد الخصمين ولما جاء من النهي عن الحكم في قضية بحكمين مختلفين، انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله له قلت: حمله كلام المؤلف على أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه وجواز انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر؛ لأن القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما قدمناه من قول ابن العربي بنص قول مقلده فإن قاس عليه أو قال: يجيء من كذا فهو متعد وبقول التونسي واللخمي وابن رشد والباجي وأكثر الشيوخ بالتخريج من قول مالك وابن القاسم وغيرهما حسبما قدمناه عنهم، انتهى. بل في نظره نظر ولا أرجحية لحمله؛ لأن القولين اللذين فسر ابن عبد السلام بهما كلام ابن الحاجب موجودان، أما الأول: فبقول ابن العربي: يحكم بفتوى مقلد بنص النازلة، والثاني: حكاه في الجواهر عن الطرطوشي ونصه: ولا يلزم أحدا من المسلمين أن يقلد في النوازل والأحكام من يعتزي إلى مذهبه فمن كان مالكيا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى قول مالك، وهكذا القول في سائر المذاهب بل أينما أداه اجتهاده من الأحكام صار إليه فإن شرط على القاضي أن يحكم بمذهب إمام معين فالعقد صحيح والشرط باطل كان موافقا لمذهب المشترط أو مخالفا له، انتهى. من التوضيح. وانظر هذا مع ما نقله ابن فرحون في تبصرته في الباب الرابع من القسم الأول فإنه نقل عن الطرطوشي أن العقد باطل والشرط باطل، انتهى. فتأمله ثم قال ابن عبد السلام وقوله: وقيل: لا يجوز إلا باجتهاد يعني أنه لا يجوز تولية المقلد ألبتة ويرى هذا القائل أن رتبة الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ، قال ابن عرفة: حمله على عدم تولية المقلد مطلقا هو ظاهر لفظه وقبوله إياه يقتضي وجوده في المذهب