كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 8)

__________
الرَّهْنِ: وَقَبْضُ الدَّيْنِ بِالْإِشْهَادِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا فِي بَابِ الْهِبَةِ: وَتَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ فِي الرَّهْنِ كَقَبْضِهِ مَعَ إعْلَامِ الْمَدِينِ بِالْهِبَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا: قَوْلُهُ: "مَعَ إعْلَامِ إلَى آخِرِهِ" زِيَادَةُ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَقَبْضِ الرَّهْنِ يُغْنِي عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ: "وَقَبْضُ الدَّيْنِ" إلَى آخِرِهِ ثُمَّ إنَّ إعْلَامَ الْمَدِينِ إنَّمَا هُوَ مَعَ حُضُورِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَائِبًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَصِحُّ الْقَبْضُ إذَا أَشْهَدَ لَكَ وَقَبَضْت ذِكْرَ الْحَقِّ وَهَكَذَا تُقْبَضُ الدُّيُونُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لِقَبْضِ الْوَثِيقَةِ، قَالَ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِك فَوَهَبَهُ لَكَ فَإِنْ أَشْهَدَ لَكَ وَجَمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ لَكَ ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهَذَا قَبْضٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَكَ وَأَحَالَك كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا وَحَمَلَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ ذِكْرَ الْحَقِّ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ كَالدَّارِ الْمُغْلَقَةِ إذَا لَمْ يُعْطِهِ مَفَاتِيحَهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْمُوهَبِ شَيْءٌ وَإِنْ أَشْهَدَ لَهُ وَجَعَلَ دَفْعَ الْوَثِيقَةِ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَ إعْلَامِ الْمَدِينِ وَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: "وَجَمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَ غَرِيمِهِ" أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَى فِي الْبَيَانِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الصَّدَقَاتِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَقَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَائِزٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا فَقَبِلَ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِهِ هُنَا. وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: "وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا" كَذَا هُوَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي فِي الْبَيَانِ "إنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا فَقَبِلَ" ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فَقِفْ عَلَيْهِ.
فرع: فَإِنْ دَفَعَ الدَّيْنَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالصَّدَقَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرِمَهُ لَلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، قَالَهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ.
فرع: فَإِنْ وَهَبَ دَيْنًا وَلَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَحْلِفُ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي الشُّفْعَةِ لَوْ وَهَبَ لَهُ دَيْنًا وَلَهُ بِهِ شَاهِدٌ حَلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَعَ شَاهِدِ الْوَاهِبِ وَاسْتَحَقَّ الدَّيْنَ وَتَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ تَهَبُ كَالِئَهَا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا، انْتَهَى. وَيُشِيرُ لِمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ: "وَإِنْ ابْتَعْت طَعَامًا فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى أَسْلَفْته" وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مَا قَالُوهُ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِمَا اشْتَرَاهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَحْلِفُ وَيَأْخُذُ غَيْرِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ فِي امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ بِكَالِئٍ

الصفحة 8