كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 8)

والقضاء بالملك المرسل ينفذ ظاهراً لا باطناً بالإجماع، فبقي العبد على ملك المشهود عليه بزعم الشاهدين والمشهود عليه، إلا أنهما كانا يضمنان قيمته لإزالة يد المشهود عليه من العبد؛ لأن إزالة اليد تكفي لإيجاب الضمان.

كما في الغصب إذا ثبت هذا فنقول: إذا وصل العبد إلى المشهود عليه بالهبة وقد وصل إليه قديم ملكه بزعمه وزعم الشاهدين، فهو نظير ما لو وصل المغصوب إلى المغصوب منه من جهة الغاصب الثاني بالهبة، وهناك يبرأ الأول عن الضمان كذا ههنا، قال: فإن رجع الواهب في الهبة واسترده رجع المشهود عليه على الشاهدين بالضمان؛ لأن بالرجوع زال العبد عن يد المشهود عليه بشهادتهما، فإنه لولا شهادتهما بالملك له لما تمكن من هبته منه والرجوع فيه، فزوال يده عن العبد بعد الرجوع في الهبة مضاف إلى شهادتهما.
ولو مات المشهود له فورث المشهود عليه بزعم المشهود عليه والشاهدين عين العبد الذي أزاله الشاهدان في يده بحكم قديم ملكه لا بالميراث على ما بينا، فيوجب براءة الشاهدين عن الضمان على ما مرّ.
وكذلك لو قتل العبد في يد المشهود له وأخذ المشهود له قيمته، ثم مات المشهود له وورثه المشهود عليه ملك القيمة من المشهود له، برئ الشاهدان عن الضمان؛ لأن في زعم المشهود عليه والشاهدين أنه وصل إليه بدل عبده ووصول البدل كوصول العين، فكأنه وصل إليه عين عبده.
قال: وكذلك جميع الأشياء من الدَّين وغيره يريد به أنهما إذا شهدا عليه بدين أو عين، وقضى للمشهود له بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما ثم مات المشهود له ورث المشهود عليه ذلك، فقد برئ الشاهدان عن الضمان والمعنى ما ذكرنا.
ولو قتل العبد في يد المشهود له وأخذ القيمة من القاتل، فهلكت القيمة في يده، ثم مات المشهود له، وورثه منه المشهود عليه مثل تلك القيمة برئ الشاهدان عن الضمان، لأن في زعم المشهود عليه أنه وصل ذلك إليه من حساب القيمة لا بجهة الميراث، لأن في زعمه أن قدر القيمة صار ديناً له في تركة المشهود عليه، والدين يقوم على الميراث، وكذلك إن كان مع المشهود عليه وارث آخر وحصة المشهود عليه بقي تلك القيمة، برئ الشاهدان عن الضمان أيضاً، ويحعل ذلك سالماً له بحساب القيمة لا لجهة الإرث كما زعم هو.

وإذا شهد شاهدان لرجل بدار في يدي رجل آخر، وقضى القاضي بالدار للمشهود له بشهادتهما ثم رجعا عن شهادتهما، فإنهما يضمنان قيمة الدار، وهذا بلا خلاف؛ لأن ما يجب على الشهود عند الرجوع ضمان الإتلاف؛ لأنه بالشهادة أزال العين عن ملك المشهود عليه بغير حق والعقار يضمن بالإتلاف بالإجماع، فإنه لو هدم البناء ونقل التراب يضمن بالإجماع.
رجل في يديه عبد شهد شاهدان أنه ملك هذا، وقضى القاضي به ودفعه إليه، ثم

الصفحة 609