كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

يرد مَا زَاد على النّصْف.
وكَذالِكَ آثَرَ الأنْصَارُ المُهَاجِرِينَ

هَذَا ثَالِث الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة، وَهُوَ أَيْضا مَشْهُور فِي السّير، وَفِيه أَحَادِيث مَرْفُوعَة. مِنْهَا: حَدِيث أنس: قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِم شَيْء فقاسمهم الْأَنْصَار. وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي حَدِيث طَوِيل من كتاب الْهِبَة فِي: بَاب فضل المنيحة. وَذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره أَن الْمُهَاجِرين لما نزلُوا على الْأَنْصَار آثروهم حَتَّى قَالَ بَعضهم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: انْزِلْ لَك عَن إِحْدَى امْرَأَتي.
ونَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ إضَاعَةِ المَالِ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يُضَيِّعَ أمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ

هَذَا رَابِع الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة، وَهُوَ طرف من حَدِيث الْمُغيرَة، وَقد مضى بِتَمَامِهِ فِي أَوَاخِر صفة الصَّلَاة.
وَقَالَ كَعْبٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالِي صَدَقَةً إلَى الله وَإلَى رَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ

هَذَا خَامِس الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة فَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل فِي تَوْبَة كَعْب بن مَالك، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِير التَّوْبَة، وَكَعب هَذَا شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَهُوَ أحد شعراء النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأحد الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، مَاتَ سنة خمسين. قَوْله: (من تَوْبَتِي) أَي: من تَمام تَوْبَتِي. قَوْله: (إِلَى الله) أَي: صَدَقَة منتهية إِلَى الله، وَإِنَّمَا منع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَعْبًا عَن صرف كل مَاله وَلم يمْنَع أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيد الصَّبْر قوي التَّوَكُّل، وَكَعب لم يكن مثله.

6241 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كانَ عنْ ظَهْرِ غِنىً وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى مُتَوَجّه. وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة، وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن سَواد عَن ابْن وهب قَوْله: (وابدأ بِمن تعول) أَي: بِمن يجب عَلَيْك نَفَقَته، وعال الرجل أَهله: إِذا مانهم أَي: قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْقُوت وَالْكِسْوَة وَغَيرهمَا.
31 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا وهيب قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن حَكِيم بن حزَام رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة عَن ظهر غنى وَمن يستعفف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يُغْنِيه الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَخير الصَّدَقَة عَن ظهر غنى ". وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة ووهيب مصغر وهب بن خَالِد وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير وَحَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة بن حزَام بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الزَّاي الْأَسدي الْمَكِّيّ ولد فِي بَاطِن الْكَعْبَة عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ وَفِي الْإِسْلَام أَيْضا سِتِّينَ وَأعْتق مائَة رَقَبَة وَحمل على مائَة بعير فِي الْجَاهِلِيَّة وَحج فِي الْإِسْلَام وَمَعَهُ مائَة بَدَنَة ووقف بِعَرَفَة بِمِائَة رَقَبَة فِي أَعْنَاقهم أطواق الْفضة منقوش فِيهَا عُتَقَاء الله عَن حَكِيم بن حزَام وَأهْدى ألف شَاة وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ أَو أَربع وَخمسين (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى " وَقد فسر الْعليا والسفلى فِي حَدِيث ابْن عمر على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْيَد الْعليا هِيَ المنفقة والسفلى هِيَ السائلة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث مَالك بن أنس عَن

الصفحة 294