كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

فَدلَّ الحَدِيث على أَن الصَّدَقَة تنمي المَال وَتَكون سَببا إِلَى الْبركَة وَالزِّيَادَة فِيهِ وَأَن من شح وَلم يتَصَدَّق فَإِن الله يوكي عَلَيْهِ ويمنعه من الْبركَة فِي مَاله والنماء فِيهِ.
حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ عنْ عَبْدَةَ وَقَالَ لَا تُحْصَى فَيُحْصِيَ الله عَلَيْكِ

هَذَا طَرِيق آخر عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن عَبدة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَالظَّاهِر أَن عَبدة روى الحَدِيث باللفظين أَحدهمَا: (لَا توكي فيوكى عَلَيْك) ، وَالْآخر: (لَا تحصى فيحصي الله عَلَيْك) ، وروى النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام باللفظين مَعًا، وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَة عِنْد البُخَارِيّ من طَرِيق ابْن نمير عَن هِشَام باللفظين، لَكِن لَفظه: لَا توعي، بِعَين مُهْملَة بدل: لَا توكى، من: أوعيت الْمَتَاع فِي الْوِعَاء أوعيه، إِذا جعلته فِيهِ. ووعيت الشَّيْء حفظته. قَوْله: (لَا تحصى) من الإحصاء، وَهُوَ معرفَة قدر الشَّيْء أَو وَزنه أَو عدده، وَهَذَا مُقَابلَة اللَّفْظ بِاللَّفْظِ، وتجنيس الْكَلَام فِي مثله فِي جَوَابه أَي: يمنعك كَمَا منعت، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ومكروا ومكر الله} (آل عمرَان: 45) . وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تحصي مَا تُعْطِي فتستكثريه فَيكون سَببا لانقطاعه. وَقيل: قد يُرَاد بالإحصاء والوعي عَنَّا عده خوف أَن تَزُول الْبركَة مِنْهُ، كَمَا قَالَت عَائِشَة: حَتَّى كلناه، ففني. وَقيل: إِن عَائِشَة عددت مَا أنفقته فَنَهَاهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ذَلِك.

22 - (بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الصَّدَقَة إِنَّمَا تنبغي فِي قدر مَا اسْتَطَاعَ الْمُتَصَدّق.

4341 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ وحدَّثني محَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عنْ حَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ. قَالَ أَخْبرنِي ابنُ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ أخْبَرَهُ عنْ أسْمَاءَ بنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّهَا جاءَتْ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لاَ تُوعِى فَيُوعِيَ الله عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ارضخي مَا اسْتَطَعْت) .
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد. الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. الثَّالِث: مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم. الرَّابِع: حجاج بن مُحَمَّد الْأَعْوَر. الْخَامِس: عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم. السَّادِس: عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام من سَادَات التَّابِعين. السَّابِع: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: صِيغَة الْإِخْبَار عَن مَاض مُفْرد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَأَنه بغدادي وَابْن جريج مكي وحجاج ابْن مُحَمَّد ترمذي سكن المصيصة وَابْن أبي مليكَة وَعباد مكيان. . وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة وَالْهِبَة عَن أبي عَاصِم. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَهَارُون بن عبد الله. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن الْحسن بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا توعي) خطاب لأسماء، وَقد مر تَفْسِيره آنِفا. قَوْله: (فيوعَي) ، بِضَم الْيَاء وَكسر الْعين وَنصب الْيَاء: لِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي بِالْفَاءِ، وَإِسْنَاده إِلَى الله تَعَالَى مجَاز عَن الْإِمْسَاك. فَإِن قلت: مَا معنى النَّهْي إِذْ لَيْسَ الإيعاء حَرَامًا؟ قلت: لَازمه وَهُوَ الْإِمْسَاك حرَام أَو النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم بِالْإِجْمَاع. قَالَ التَّيْمِيّ: المُرَاد بِهِ النَّهْي عَن الْإِمْسَاك وَالْبخل وَجمع الْمَتَاع فِي الْوِعَاء وشده وَترك الْإِنْفَاق مِنْهُ. قَوْله: (ارضخي) من الرضخ بالضاد وَالْخَاء المعجمتين وَهُوَ الْعَطاء لَيْسَ بالكثير وَألف: ارضخي، ألف وصل. قَوْله: (مَا اسْتَطَعْت) أَي: مَا دمت مستطيعة قادرة على الرضخ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ الَّذِي استطعته أَو

الصفحة 300