كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

وَقَالَ ابْن التِّين رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَان حَتَّى تجربانه وَقَالَ النَّوَوِيّ وَرَوَاهُ بَعضهم يحز بحاء وزاي وَهُوَ وهم وَالصَّوَاب تجن بجيم وَنون قَوْله (بنانه) أَي أَصَابِعه وَهُوَ رِوَايَة الْجُمْهُور كَمَا فِي الحَدِيث الآخر أنامله ويروى ثِيَابه بثاء مُثَلّثَة وَهُوَ وهموقد وَقع فِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم حَتَّى تغشى بالغين والشين المعجمتين قَوْله (وتعفوا أَثَره) أَي يمحوا أَثَره وَهُوَ يَجِيء لَازِما ومتعدياً فَهُنَا مُتَعَدٍّ لِأَنَّهُ نصب أَثَره وأثره بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبكسر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء مَعْنَاهُ تمحو أثر مَشْيه بسبوغها وكمالها وَقَالَ الدَّاودِيّ بعفى أثر صَاحبه إِذا مَشى بمرور الذيل عَلَيْهِ لِأَن الْمُنفق إِذا أنْفق طَال ذَلِك اللبَاس الَّذِي عَلَيْهِ حَتَّى يجره بِالْأَرْضِ قَوْله (لزقت) أَي التصقت وَفِي رِوَايَة مُسلم (انقبضت) وَفِي رِوَايَة همام (عضت كل حَلقَة مَكَانهَا) وي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد مُسلم (قلصت) وَكَذَا فِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم عِنْد البُخَارِيّ وَزعم ابْن التِّين أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْبَخِيل يكوى بالنَّار يَوْم الْقِيَامَة قَوْله (فَهُوَ يوسعها وَلَا تتسع) وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم قَالَ أَبُو هُرَيْرَة (فَهُوَ يوسعها وَلَا يَتَّسِع) (فَإِن قلت) هَذَا يَوْم أَنه مدرج (قلت) لَيْسَ كَذَلِك وَقد وَقع التَّصْرِيح بِرَفْع هَذِه الْجُمْلَة فِي طَرِيق طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة ابْن طَاوُوس عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (فيجتهدان يوسعها وَلَا تتسع) وَفِي رِوَايَة لمُسلم (فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَذكره وَفِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم عِنْدهَا (فَأَنا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه فَلَو رَأَيْته يوسعها وَلَا تتسع وَعند أَحْمد من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن أبي الزِّنَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَأما الْبَخِيل فَإِنَّهَا لَا تزداد عَلَيْهِ إِلَّا استحكاماً وَهَذَا بِالْمَعْنَى وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا مثل ضربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للجواد الْبَخِيل شبهما برجلَيْن أَرَادَ كل مِنْهُمَا أَن يلبس درعا يستجن بهَا والدرع أول مَا يلبس إِنَّمَا يَقع على مَوضِع الصَّدْر والثديين إِلَى أَن يسْلك لَابسهَا يَدَيْهِ فِي كميه، وَيُرْسل ذيلها على أَسْفَل بدنه فيستمر سفلاً، فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْمُنفق مثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عَلَيْهِ حَتَّى سترت جَمِيع بدنه وخصته، وَجعل الْبَخِيل كَرجل يَدَاهُ مغلولتان مَا بَين دون صَدره فَإِذا أَرَادَ لبس الدرْع حَالَتْ يَدَاهُ بَينهَا وَبَين أَن تمر سفلاً على الْبدن، وَاجْتمعت فِي عُنُقه فلزمت ترقوته، فَكَانَت ثقلاً ووبالاً عَلَيْهِ من غير وقاية لَهُ وتحصين لبدنه، وَحَاصِله أَن الْجواد إِذا هم بِالنَّفَقَةِ اتَّسع لذَلِك صَدره وطاوعت يَدَاهُ فامتدتا بالعطاء، وَأَن الْبَخِيل يضيق صَدره وتنقبض يَده عَن الْإِنْفَاق. وَقيل: ضرب الْمثل بهما لِأَن الْمُنفق يستره الله بِنَفَقَتِهِ وَيسْتر عوراته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كستر هَذِه الْجُبَّة لَابسهَا، والبخيل كمن لبس جُبَّة إِلَى ثدييه فَيبقى مكشوفا ظَاهر الْعَوْرَة مفتضحا فِي الدَّاريْنِ. وَقَالَ ابْن بطال: يُرِيد أَن الْمُنفق إِذا أنْفق كفرت الصَّدَقَة ذنُوبه ومحتها، كَمَا أَن الْجُبَّة إِذا أسبغت عَلَيْهِ سترته وَوَقته، والبخيل لَا تطاوعه نَفسه على الْبَذْل فَيبقى غير مكفر عَنهُ الآثام، كَمَا أَن الْجُبَّة تبقي من بدنه مَا لَا تستره، فَيكون معرض الْآفَات. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شبه السخي إِذا قصد التَّصَدُّق يسهل عَلَيْهِ بِمن عَلَيْهِ الْجُبَّة وَيَده تحتهَا، فَإِذا أَرَادَ أَن يُخرجهَا مِنْهَا يسهل عَلَيْهِ، والبخيل على عَكسه، والأسلوب من التَّشْبِيه المفرق. قَالَ: وَقيد الْمُشبه بِهِ بالحديد إعلاما بِأَن الْقَبْض والشدة جبلة الْإِنْسَان، وأوقع الْمُتَصَدّق مَوضِع السخي مَعَ أَن مُقَابل الْبَخِيل هُوَ السخي لَا الْمُتَصَدّق إشعارا بِأَن السخاوة هِيَ مَا أَمر بِهِ الشَّرْع وَندب إِلَيْهِ من الْإِنْفَاق إلاَّ مَا يتعاناه المبذرون. وَقَالَ الْمُهلب: المُرَاد أَن الله يسر الْمُنفق فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، بِخِلَاف الْبَخِيل فَإِنَّهُ يَفْضَحهُ، وَمعنى: تَعْفُو أَثَره، تمحو خطاياه، وَاعْترض عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض بِأَن الْخَبَر جَاءَ على التَّمْثِيل لَا على الْإِخْبَار عَن كَائِن، وَقيل: هُوَ تَمْثِيل لنماء المَال بِالصَّدَقَةِ، وَالْبخل بضده، وَقيل: تَمْثِيل لِكَثْرَة الْجُود وَالْبخل، وَأَن الْمُعْطِي إِذا أعْطى انبسطت يَدَاهُ بالعطاء، وتعود ذَلِك، فَإِذا أمسك صَار ذَلِك عَادَة.
تَابَعَهُ الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طَاوُسٍ فِي الجُبتَيْنِ

أَي: تَابع ابْن طَاوُوس الْحسن بن مُسلم بن يناق فِي رِوَايَته عَن طَاوُوس فِي الجبتين بِالْبَاء، وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب جيب الْقَمِيص من عِنْد الصَّدْر. وَغَيره، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو عَامر أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن الْحسن بن مُسلم عَن طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (ضرب رَسُول الله، صلى الله

الصفحة 309