كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
للْمَيت خَاصَّة، قَالَه الْكرْمَانِي وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا. وَفِي (الصِّحَاح) بالحنوط ذريرة، وَهُوَ طيب الْمَيِّت. قلت: الحنوط: عطر مركب من أَنْوَاع الطّيب يَجْعَل على رَأس الْمَيِّت ولحيته ولبقيه جسده إِن تيَسّر،. وَفِي الحَدِيث: (أَن ثمودا لما استيقنوا بِالْعَذَابِ تكفنوا بالأنطاع وتحنطوا بِالصبرِ لِئَلَّا يجيفوا وينتنوا) . وَفِي (الْمُحِيط) : لَا بَأْس بِسَائِر الطّيب فِي الحنوط غير الزَّعْفَرَان والورس فِي حق الرِّجَال، وَلَا بَأْس بهما فِي حق النِّسَاء، فَيدْخل فِيهِ الْمسك، وَأَجَازَهُ أَكثر الْعلمَاء، وَأمر بِهِ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَاسْتَعْملهُ أنس وَابْن عمر وَابْن الْمسيب، وَبِه قَالَ: مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَكَرِهَهُ: عَطاء وَالْحسن وَمُجاهد، وَقَالُوا: إِنَّه ميتَة واستعماله فِي الحنوط على الْجَبْهَة والراحتين والركبتين والقدمين. وَفِي (الرَّوْضَة) : وَلَا بَأْس بِجعْل الْمسك فِي الحنوط وَقَالَ النَّخعِيّ: يوضع الحنوط على الْجَبْهَة والراحتين والركبتين والقدمين، وَفِي (الْمُفِيد) : وَإِن لم يفعل فَلَا يضر، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ والقرافي: يسْتَحبّ فِي الْمرة الثَّالِثَة شَيْء من الكافور. قَالَا: وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْتَحبّ. قلت: نقلهما ذَلِك عَنهُ خطأ.
قَوْله: (ابْنا لسَعِيد) وَاسم الابْن: عبد الرَّحْمَن، روى عَن اللَّيْث عَن نَافِع أَنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن زيد، وَسَعِيد بن زيد هَذَا أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، أسلم قَدِيما وَمَات بالعقيق، وَنقل إِلَى الْمَدِينَة فَدفن بهَا سنة إِحْدَى وَخمسين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا المُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيَّا وَلاَ مَيِّتا
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا فِي أثر ابْن عمر الَّذِي مضى، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عَطاء (عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُؤمن لَيْسَ بِنَجس حَيا وَلَا مَيتا) . قَوْله: (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم) أَي: لَا تَقولُوا إِنَّهُم نجس، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن سُفْيَان نَحوه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم مَرْفُوعا، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم ابْن عصمَة بن إِبْرَاهِيم الْعدْل حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا ابْن أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله: (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
وقَالَ سَعدٌ لَوْ كانَ نَجِسا مَا مَسِستُهُ
وَجه الْمُطَابقَة مَا ذَكرْنَاهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي الْوَقْت سعيد بِالْيَاءِ وَالْأول أشهر وَأَصَح، وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن الْجَعْد عَن عَائِشَة قَالَت: أُوذِنَ سعد بِجنَازَة سعيد بن زيد وَهُوَ بِالبَقِيعِ فَجَاءَهُ فَغسله وكفنه وحنطه، ثمَّ أَتَى دَاره فصلى عَلَيْهِ، ثمَّ دَعَا بِمَاء فاغتسل، ثمَّ قَالَ: لم أَغْتَسِل من غسله وَلَو كَانَ نجسا مَا غسلته أَو مَا مَسسْته، وَلَكِنِّي أَغْتَسِل من الْحر.
وَفِي هَذَا الْأَثر فَائِدَة حَسَنَة وَهِي: أَن الْعَالم إِذا عمل عملا يخْشَى أَن يلتبس على من رَآهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعلمهُمْ بِحَقِيقَة الْأَمر لِئَلَّا يحملوه على غير محمله.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ
هَذَا طرف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا فِي: بَاب الْجنب يمشي، فِي كتاب الْغسْل: حَدثنَا عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا حميد عَن أبي رَافع (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: لَقِيَنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا جنب. .) الحَدِيث، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ حميع مَا يتَعَلَّق بِهِ مستقصىً.
3521 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرِينَ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّةِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ علَيْنَا رسولُ الله حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ أنْ رَأيْتُنَّ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا أوْ شَيْئا مِنْ كافُورٍ فَإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي فلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فأعْطَانا حِقْوَهُ فَقَالَ
الصفحة 38
318