كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
كفنها يناولنا ثوبا ثوبا. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِيهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَفِيه من لَيْسَ بِمَشْهُور، وَالصَّحِيح أَن هَذِه الْقِصَّة فِي زَيْنَب، لِأَن أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَائِب ببدر، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: ونوح بن حَكِيم رجل مَجْهُول لم تثبت عَدَالَته، وَقد غلطوا الْمُنْذِرِيّ فِي قَوْله: أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَائِب ببدر، لِأَن الَّتِي توفيت حِينَئِذٍ رقية. فَإِن قلت: حكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ الشَّارِح بِأَنَّهُ جزم بِأَن الْبِنْت الْمَذْكُورَة أم كُلْثُوم زوج عُثْمَان. وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) : بِأَن التِّرْمِذِيّ زعم أَنَّهَا أم كُلْثُوم قلت: أما الدَّاودِيّ فَإِنَّهُ لم يذكر مُسْتَنده، وَأما التِّرْمِذِيّ فَلم يذكر شَيْئا من ذَلِك. فَإِن قلت: ذكر الدولابي من طَرِيق أبي الرِّجَال عَن عمْرَة أَن أم عَطِيَّة كَانَت مِمَّن غسل أم كُلْثُوم بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: لَا يلْزم من ذَلِك أَن تكون الْبِنْت فِي حَدِيث الْبَاب أم كُلْثُوم، لِأَن أم عَطِيَّة كَانَت غاسلة الميتات فَيمكن أَن تكون حضرت لَهما جَمِيعًا.
قَوْله: (ثَلَاثًا أَو خمْسا) وَفِي رِوَايَة هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة: (إغسلنها وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا) . وَكلمَة: أَو. هُنَا للتنويع، وَالنَّص على الثَّلَاث أَو الْإِشَارَة إِلَى أَن الْمُسْتَحبّ، الإيتار، أَلا يُرى أَنه نقلهن من الثَّلَاث إِلَى الْخمس دون الْأَرْبَع، وَقَالَ بَعضهم: أَو، هُنَا للتَّرْتِيب لَا للتَّخْيِير. قلت: لم ينْقل عَن أحد أَن: أَو، تَجِيء للتَّرْتِيب، وَقد ذكر النُّحَاة أَن: أَو، تَأتي لاثني عشر معنى، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على أَنَّهَا تَجِيء للتَّرْتِيب، وَالظَّاهِر أَنه أَخذه من الطَّيِّبِيّ فَإِنَّهُ نقل من الْمظهر شرح المصابيح) : أَن فِيهِ للتَّرْتِيب دون التَّخْيِير، إِذْ لَو حصل الِاكْتِفَاء بالغسلة الأولى اسْتحبَّ التَّثْلِيث، وَكره التجاوز عَنهُ فَإِن حصلت بِالثَّانِيَةِ أَو بالثالثة اسْتحبَّ التخميس، وَإِلَّا فالتسبيع، وَالْمَنْع بَاقٍ فِيهِ. وَفِي الطَّيِّبِيّ فِي نَقله، وَفِي صَاحب الْمظهر شَارِح (المصابيح) . قَوْله: (أَو أَكثر من ذَلِك) أَي: من الْخمس يَنْتَهِي إِلَى السَّبع، كَمَا فِي رِوَايَة أَيُّوب عَن حَفْصَة: ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَات أَكثر من السَّبع إلاَّ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أم عَطِيَّة بِمَعْنى حَدِيث مَالك، زَاد فِي حَدِيث حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة نَحْو هَذَا، وزادت فِيهِ: أَو سبعا أَو أَكثر، من ذَلِك إِن رَأَيْته. وَيُسْتَفَاد من هَذَا اسْتِحْبَاب الإيتار بِالزِّيَادَةِ على السَّبْعَة لِأَن ذَلِك أبلغ فِي التَّنْظِيف، وَكره أَحْمد مُجَاوزَة السَّبع، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا أعلم أحدا قَالَ بمجاوزة السَّبع، وسَاق من طَرِيق قَتَادَة أَن ابْن سِيرِين كَانَ يَأْخُذ الْغسْل عَن أم عَطِيَّة ثَلَاثًا وإلاَّ فخمسا وإلاَّ فسبعا. قَالَ: فَرَأَيْنَا أَن الْأَكْثَر من ذَلِك سبع. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: الزِّيَادَة على السَّبع سرف، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: بَلغنِي أَن جَسَد الْمَيِّت يسترخي بِالْمَاءِ، فَلَا أحب الزِّيَادَة على ذَلِك. قَوْله: (إِن رأيتن ذَلِك) ، قَالَ الطَّيِّبِيّ: بِكَسْر الْكَاف خطاب لأم عَطِيَّة وَرَأَيْت بِمَعْنى الرَّأْي يَعْنِي أَن احتجتن إِلَى أَكثر من ثَلَاث أَو خمس للانقاء لَا للتشهي فلتفعلن قلت: كسر الْكَاف فِي ذَلِك الثَّانِي لَا فِي الأول، فَإِن بَعضهم نقل ذَلِك عَن الطَّيِّبِيّ. وَلكنه غلط فِيهِ، وَذكره فِي ذَلِك الأول، وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا يخفى، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِنَّمَا فوض الرَّأْي إلَيْهِنَّ بِالشّرطِ الْمَذْكُور وَهُوَ الإيتار. وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم، قَالَ: يحْتَمل قَوْله: (إِن رأيتن) أَن يرجع إِلَى الْأَعْدَاد الْمَذْكُورَة، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: إِن رأيتن أَن تفعلن ذَلِك وإلاَّ فالاتقاء يَكْفِي. قَوْله: (بِمَاء وَسدر) ، الْبَاء تتَعَلَّق بقوله: (اغسلنها) قَالَ الطَّيِّبِيّ نَاقِلا عَن المطهر: قَوْله: (بِمَاء وَسدر) لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَال السدر فِي جَمِيع الغسلات، وَالْمُسْتَحب اسْتِعْمَاله فِي الكرة الأولى ليزيل الأقذار، وَيمْنَع من تسارع الْفساد. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَوْله: (بِمَاء وَسدر) أصل فِي جَوَاز التطهر بِالْمَاءِ الْمُضَاف إِذا لم يسلب الْإِطْلَاق. وَقَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (بِمَاء وَسدر) هُوَ السّنة فِي ذَلِك، والخطمي مثله، فَإِن عدم فَمَا يقوم مقَامه كالأشنان والنطرون، وَلَا معنى لطرح ورق السدر فِي المَاء، كَمَا تفعل الْعَامَّة، وأنكرها أَحْمد وَلم يُعجبهُ، وَمثله من قَالَ: يحك الْمَيِّت بالسدر وَيصب عَلَيْهِ المَاء فَتحصل طَهَارَته بِالْمَاءِ، وَعَن ابْن سِيرِين، أَنه كَانَ يَأْخُذ الْغسْل عَن أم عَطِيَّة فَيغسل بِالْمَاءِ والسدر مرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَة بِالْمَاءِ والكافور. وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَن الغسلات كلهَا بِالْمَاءِ والسدر، وَهُوَ قَول أَحْمد: وَلما غسلوا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غسلوه بِمَاء وَسدر ثَلَاث مَرَّات، فِي كُلهنَّ ذكره أَبُو عمر. قَوْله: (واجعلن فِي الْآخِرَة) أَي فِي الْمرة الْآخِرَة ويروى (الْأَخِيرَة) قَوْله: (كافورا) وَالْحكمَة فِيهِ أَن الْجِسْم يتصلب بِهِ وتنفر الْهَوَام من رَائِحَته، وَفِيه إكرام الْمَلَائِكَة. وَخَصه صَاحب (الْمَذْهَب) بالثالثة، والجرجاني بِالثَّانِيَةِ، وهما غَرِيبَانِ. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَانْفَرَدَ أَبُو حنيفَة فَقَالَ: لَا يسْتَحبّ الكافور
الصفحة 40
318