كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

أَو مَوْصُولَة وَالثَّانِي أظهر. قلت: الأول أظهر، بل الْمَعْنى لَا يَصح إلاَّ على هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد ذَلِك أوقع التَّعْبِير: بِمن، الَّتِي لمن يعقل قلت: هَذَا نظر يسْتَحق الْعَمى لِأَن المُرَاد من التَّرْجَمَة بَيَان اسْتِحْبَاب غسل الْمَيِّت وترا لَا بَيَان من يسْتَحبّ ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبَاب بطريقيه فِي بَيَان الِاسْتِحْبَاب لَا فِي بَيَان الْمُسْتَحبّ وَغَيره.

4521 - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِي عنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا فإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ فَقَالَ أيُّوبُ وَحَدَّثَتنِي حَفْصَةُ بِمِثلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وكانَ فِي حدِيث حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرا وكانَ فِيهِ ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ سَبْعا وكانَ فِيهِ أنَّهُ قَالَ ابْدَأوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا وكانِ فِيهِ أنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قالَتْ وَمَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقَالَ بَعضهم أورد المُصَنّف فِيهِ حَدِيث أم عَطِيَّة أَيْضا من رِوَايَة أَيُّوب عَن مُحَمَّد وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بالوتر، وَمن رِوَايَة أَيُّوب، قَالَ: حَدَّثتنِي حَفْصَة، وَفِيه ذَلِك. قلت: مُرَاده من قَوْله: وترا، فِي التَّرْجَمَة أَن يكون خلاف الشفع، وَهُوَ مَوْجُود فِي حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ قَوْله: (ثَلَاثًا أَو خمْسا) وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ لفظ الْوتر حَتَّى إِذا ذكر حَدِيثا لَيْسَ فِيهِ لفظ الْوتر لَا يكون مطابقا للتَّرْجَمَة، وَإِن كَانَ مُرَاد هَذَا الْقَائِل لفظ الْوتر فَلَيْسَ بموجود هَذَا أَيْضا فِي حَدِيث حَفْصَة، وَالْحَدِيثَانِ سَوَاء فِي الدّلَالَة على الْوتر، فَكيف يفرق بَينهمَا؟ وَلَفظ الْوتر لم يَقع فِي حَدِيث أم عَطِيَّة إلاَّ فِي رِوَايَة هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَنْهَا، على مَا يَجِيء فِي: بَاب يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد، ذكر بِلَا نِسْبَة فِي أَكثر الرِّوَايَات، قَالَ ابْن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد. وَهُوَ التسترِي، ولقبه حمدَان وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ أَيْضا. الثَّانِي: عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، يكنى أَبَا مُحَمَّد. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. ولنتكلم فِي الزِّيَادَات الَّتِي فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ أَيُّوب) يَعْنِي السّخْتِيَانِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: بِالْوَاو، وَرُبمَا يظنّ أَنه مُعَلّق وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بالإسنادين مَوْصُولا. قَوْله: (وابدأوا) ويروى: (وابدأن) ، بِلَفْظ خطاب جمع الْمُؤَنَّث، وَهُوَ ظَاهر وَأما رِوَايَة: (ابدأوا) بِجمع الْمُذكر فوجهها أَن يكون تَغْلِيبًا للذكور لِأَنَّهُنَّ كن محتاجات إِلَى معاونة الرِّجَال من حمل المَاء إلَيْهِنَّ وَنَحْوه، أَو الْخطاب بِاعْتِبَار الْأَشْخَاص أَو النَّاس. قَوْله: (بميامنها) جمع ميمنة. قَوْله: (ومشطناها) من: مشطت الماشطة تمشطهَا مشطا: إِذا سرحت شعرهَا. قَوْله: (ثَلَاثَة قُرُون) انتصاب ثَلَاثَة يجوز أَن يكون بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِثَلَاثَة قُرُون، أَو على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي ثَلَاثَة قُرُون، والقرون جمع: الْقرن، وَهُوَ الْخصْلَة من الشّعْر، وَحَاصِل الْمَعْنى: جعلن شعرهَا ثَلَاث ضفائر بعد أَن حللوها بالمشط.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْغسْل بِالْمَاءِ والسدر وَجعل الشّعْر ثَلَاثَة قُرُون، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَفِيه: فِي حَدِيث حَفْصَة التَّنْصِيص على لفظ الْوتر بِالثلَاثِ أَو بالخمس أَو بالسبع، وَفِي حَدِيث غَيرهَا التَّنْصِيص على عدد الثَّلَاث وَالْخمس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا، اسْتدلَّ بِهِ على أَن أقل الْوتر ثَلَاث، وَلَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ سيق مساق الْبَيَان للمراد إِذْ لَو أطلق لتناول الْوَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا؟ قلت: المُرَاد بِالْغسْلِ الإنقاء، والتنصيص على الْوتر بِالْعدَدِ الْمَذْكُور لأجل اسْتِحْبَاب الْوتر فِي الغسلات لِأَن الله وتر يحب الْوتر، حَتَّى لَو حصل الإنقاء بالمرة الْوَاحِدَة لقام بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاء، وَفِيه: الْبدَاءَة بالميامن لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كُله، أَي: فِي التنظيفات. وَفِيه: الِابْتِدَاء بمواضع الْوضُوء مِنْهَا. قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : مَعْنَاهُ عِنْد مَالك أَن يبْدَأ بهَا عِنْد الْغسْل الَّذِي هُوَ مَحْض الْعِبَادَة فِي غسل الْجَسَد من أَذَى، وَهُوَ الْمُسْتَحبّ.

الصفحة 42