كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

حَفْصَةُ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَانَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرا ثَلاَثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إنْ رَأيْتُنَّ ذالِكَ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا أوْ شَيْئا مِنْ كافُورٍ فَإذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ وَألْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فألقيناها خلفهَا) ، وَهَذِه التَّرْجَمَة هِيَ الْعَاشِرَة الَّتِي ذكرهَا هَهُنَا، والحادية عشرَة ذكرهَا فِي كتاب الْوضُوء. قَوْله: (فضفرنا شعرهَا) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بِلَفْظ: (ومشطناها) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أَيُّوب عَن حَفْصَة: (ضفرنا رَأسهَا ثَلَاثَة قُرُون: ناصيتها وقرنيها) . وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا الحَدِيث على عدم وجوب الْغسْل على غاسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ مَوضِع تَعْلِيم، وَلم يَأْمر بِهِ، وردَّ بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون شرع ذَلِك بعد هَذِه الْقَضِيَّة. وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف، فَعَن عَليّ وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهُمَا قَالَا: (من غسل مَيتا فليغتسل) ، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالزهْرِيّ. وَقَالَ النَّخعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: يتَوَضَّأ. وَقَالَ مَالك: أحب لَهُ الْغسْل، واستحبه الشَّافِعِي، وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ: إِن صَحَّ الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ، وَعند عَامَّة أهل الْعلم: لَا غسل عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ.
وَاسْتدلَّ الْفَرِيق الأول بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) : (عَن عَائِشَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يغْتَسل من أَربع: من الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة، وَمن الْحجامَة، وَغسل الْمَيِّت) . وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة: أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من غسل الْمَيِّت فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح: (أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما غسل أَبَاهُ أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغْتَسل) . وَعَن مَكْحُول قَالَ: سَأَلَ رجل حُذَيْفَة عَن غسل الْمَيِّت فَعلمه، وَقَالَ: إِذا فرغت فاغتسل، وَعَن أبي قلَابَة بِسَنَد صَحِيح أَنه كَانَ إِذا غسل مَيتا اغْتسل. وأجابت الْفرْقَة الثَّانِيَة بِمَا قَالَ الْحَاكِم: عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي: لَا نعلم فِيمَن غسل مَيتا فليغتسل حَدِيثا ثَابتا، وَلَو ثَبت للزمني اسْتِعْمَاله، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رُوِيَ مَوْقُوفا، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: إِن رَفعه خطأ، إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف لَا يرفعهُ الثِّقَات. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَالَت جمَاعَة أهل الحَدِيث: هُوَ حَدِيث ضَعِيف، وروى الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثا عَن ابْن عمر؛ فمنا من اغْتسل وَمنا من لم يغْتَسل، وَالله أعلم.

81 - (بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الثِّيَاب الْبيض لأجل الْكَفَن، وَالْبيض بِكَسْر الْبَاء جمع أَبيض، وَلما فرغ عَن بَيَان أَحْكَام غسل الْمَوْتَى شرع فِي بَيَان الْكَفَن على التَّرْتِيب.

91 - (بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الثَّلَاثَة لَيْسَ بِوَاجِب. بل هُوَ كفن السّنة فَإِن اقْتصر على الْإِثْنَيْنِ من غير ضَرُورَة يكون ترك السّنة، وَأما الْوَاحِد فَلَا بُد مِنْهُ.

5621 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أوْ قالَ فأوْقَصَتْهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وسِدْر وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأسَهُ فإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان: اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، يعرف بعارم. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: شَيْخه وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي. وَفِيه: شَيْخه بكنيته وَاثْنَانِ بِلَا نِسْبَة. وَفِيه: حَمَّاد عَن أَيُّوب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب.
ذكر تعدد

الصفحة 48