كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
أَيْضا فِي الدِّيات فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَمن أَحْيَاهَا} (الْمَائِدَة: 22) . عَن قبيصَة عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق إِلَى آخِره، وَفِي الِاعْتِصَام أَيْضا عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن جمَاعَة، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْعلم عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن خشرم، وَفِي الْمُحَاربَة عَن عَمْرو بن عَليّ، وَابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن هِشَام ابْن عمار ثمَّ وَجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث أَن الْقَاتِل الْمَذْكُور يُشَارك من فعل مثله لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فتح هَذَا الْبَاب وَسوى هَذَا الطَّرِيق، فَكَذَلِك من كَانَ طَرِيقَته النوح على الْمَيِّت يكون قد فتح لأَهله هَذَا الطَّرِيق فَيُؤْخَذ على فعله، ومدار مُرَاد البُخَارِيّ فِي هَذِه التَّرْجَمَة على أَن الشَّخْص لَا يعذب بِفعل غَيره إلاَّ إِذا كَانَ لَهُ فِيهِ تسبب، فَمن قَالَ بِجَوَاز تَعْذِيب شخص يفعل غَيره فمراده هَذَا، وَمن نَفَاهُ فمراده مَا إِذا لم يكن فِيهِ تسبب أصلا.
قَوْله: (لَا تقتل نفس) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ظلما) نصب على التَّمْيِيز، أَي: من حَيْثُ الظُّلم. قَوْله: (ابْن آدم الأول) ، المُرَاد بِهِ قابيل الَّذِي قتل أَخَاهُ شقيقه هابيل ظلما وحسدا. قَوْله: (كفل) ، بِكَسْر الْكَاف: وَهُوَ النَّصِيب والحظ. وَقَالَ الْخَلِيل: الضَّعِيف، وَهَذَا الحَدِيث من قَوَاعِد الْإِسْلَام مُوَافق لحَدِيث (من سنّ سنة حَسَنَة. .) الحَدِيث، وَغَيره فِي الْخَيْر وَالشَّر. قَوْله: (وَذَلِكَ) أَي: كَون الكفل على ابْن آدم الأول. قَوْله: (بِأَنَّهُ) أَي: بِسَبَب أَن ابْن آدم الأول هُوَ الَّذِي سنّ سنة قتل النَّفس ظلما وحسدا.
4821 - حدَّثنا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالَا أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا عاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ عنْ أبِي عُثْمَانَ قَالَ حدَّثني أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أرْسَلَتِ ابْنَةُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِ إنَّ ابْنا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فأرْسَلَ يُقْرِىءُ السَّلاَمَ ويَقُولُ إنَّ لِلاهِ مَا أخَذَ ولَهُ مَا أعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمَّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فأرْسَلَتْ إلَيْهِ تُقْسِمُ عَليهِ لَيَأتِيَنَّهَا فقامَ ومَعَهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ ابنُ جَبَلٍ وَابَيُّ بنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بنُ ثَابِت وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أنَّهُ قَالَ كأنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ الله مَا هاذَا فَقَالَ هاذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلهَا الله فِي قُلوبِ عِبَادِهِ وَإنَّمَا يَرْحَمُ الله منْ عِبادِهِ الرُّحَمَاءَ..
هَذَا الحَدِيث مُطَابق لقَوْله: (وَمَا يرخص من الْبكاء فِي غير نوح) فَإِن قَوْله: (فَفَاضَتْ عَيناهُ) ، بكاء من غير نوح فَيدل على أَن الْبكاء الَّذِي يكون من غير نوح جَائِز، فَلَا يُؤَاخذ بِهِ الباكي وَلَا الْمَيِّت.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَبْدَانِ، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عبد الله بن عُثْمَان أَبُو عبد الرَّحْمَن. الثَّانِي: مُحَمَّد بن مقَاتل. الثَّالِث: عبد الله ابْن الْمُبَارك. الرَّابِع: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول. الْخَامِس: أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن مل، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، مر فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة. السَّادِس: أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومولاه، وَأمه أم أَيمن، وأسمها بركَة حاضنة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول من الروَاة مروزيون وَعَاصِم وَأَبُو عُثْمَان بصريان. وَفِيه: عَاصِم عَن أبي عُثْمَان، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة فِي أَوَاخِر الطِّبّ عَن عَاصِم: سَمِعت أَبَا عُثْمَان. وَفِيه: عَن أبي عُثْمَان بِلَا نِسْبَة. وَفِي التَّوْحِيد من طَرِيق حَمَّاد عَن عَاصِم: عَن أبي عُثْمَان هُوَ النَّهْدِيّ. وَفِيه: أَن رِوَايَته عَن شيخين أَحدهمَا بلقبه، لِأَن عَبْدَانِ لقب عبد الله، وَالْآخر بِلَا نِسْبَة، وَكَذَلِكَ عبد الله بِلَا نِسْبَة. وَفِيه: أَبُو عُثْمَان مَذْكُور بكنيته.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن حجاج بن منهال، وَفِي النذور عَن حَفْص بن عمر، وَفِي التَّوْحِيد عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد ابْن الْفضل وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل مُخْتَصرا. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن أبي كَامِل الجحدري وَعَن ابْن نمير وَعَن أبي بكر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الْوَلِيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك، سبعتهم عَن عَاصِم الْأَحول عَن أبي عُثْمَان بِهِ، فَافْهَم.
الصفحة 72
318