كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

عنْ شُعْبَةَ المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ عَلَيْهِ

أَي: تَابع عَبْدَانِ عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، قَالَ: حَدثنَا يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع، مصغر زرع، قَالَ: حَدثنَا سعيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، قَالَ: حَدثنَا قَتَادَة يَعْنِي: عَن سعيد بن الْمسيب، وَقد وَصله أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد كَذَلِك. قَوْله: (وَقَالَ آدم) ، هُوَ ابْن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة، يَعْنِي بِإِسْنَاد حَدِيث الْبَاب، لَكِن بِغَيْر لفظ الْمَتْن وَهُوَ قَوْله: (يعذب ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ) وَتفرد آدم بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد رَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وحجاج بن مُحَمَّد، كلهم عَن شُعْبَة كَالْأولِ، وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: سَمِعت قَتَادَة يحدث عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (الْمَيِّت يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ) .

43 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ لفظ بَاب وَحده كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبَاب الَّذِي قبله، وَلَيْسَ بمذكور فِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة.

3921 - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدثنَا ابنُ المُنْكَدِرِ. قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ جِيءَ بِأبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أنْ أكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أكْشفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هاذِهِ فقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍ وأوْ أخْتُ عَمْرٍ وَقَالَ فَلِمَ تَبْكي أوْ لاَ تَبْكِي فَمَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ.
لما كَانَ حَدِيث هَذَا الْبَاب الْمُجَرّد على تَقْدِير وجود الْبَاب دَاخِلا فِي الْبَاب الَّذِي قبله، المترجم بِمَا يكره من النِّيَاحَة على الْمَيِّت، طابق ذكره هَهُنَا لدُخُوله فِي تَرْجَمَة ذَلِك الْبَاب، فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من هَذِه؟) لما سمع صَوت صائحة، إِنْكَار فِي نفس الْأَمر، وَإِن لم يُصَرح بِهِ. وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب الْجِنَازَة فِي: بَاب الدُّخُول على الْمَيِّت، أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله ... إِلَى آخِره. وَهنا أخرجه عَن عَليّ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، قَالَ: سَمِعت جَابِرا.
قَوْله: (قد مثل بِهِ) ، جملَة وَقعت حَالا، وَمثل، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء الْمُثَلَّثَة: من التَّمْثِيل، يُقَال: مثل بالقتيل إِذا جدع أَنفه وَأذنه أَو مذاكيره أَو شَيْء من أَطْرَافه، والإسم: الْمثلَة، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الثَّاء، وَيجوز: مثل، بتَخْفِيف الثَّاء، يُقَال: مثلت بِالْحَيَوَانِ أمثله بِهِ مثلا. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَأما مثل، بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ للْمُبَالَغَة. قَوْله: (وَقد سُجِّي) أَي: غطي من، سجى يسجى تسجية، وانتصاب ثوبا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِثَوْب. قَوْله: (أُرِيد) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: (ذهبت) ، و: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (اكشف عَنهُ) ، حَال. قَوْله: (فَرفع) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: (صائحة) أَي: امْرَأَة صائحة. قَوْله: (بنت عَمْرو) ، هِيَ عمَّة الْمَقْتُول، وَاسْمهَا: فَاطِمَة بنت عَمْرو، وَعَمْرو جد جَابر لِأَنَّهُ ابْن عبد الله بن عَمْرو بن حرَام ضد حَلَال وَقد صرح فِي: بَاب الدُّخُول على الْمَيِّت، بقوله: (فَجعلت عَمَّتي فَاطِمَة تبْكي) ، وَوَقع فِي (الإكليل) للْحَاكِم: أَنَّهَا هِنْد بنت عَمْرو، وَقَالَ بَعضهم لَعَلَّ لَهَا إسمين أَو أَحدهمَا أسمها وَالْآخر لقبها. قلت: لَا يلقب بالأسماء الْمَوْضُوعَة للمسميات، فَإِن صَحَّ مَا فِي الإكليل فَيحمل على أَنَّهُمَا كَانَتَا أُخْتَيْنِ وهما عمتا جَابر: إِحْدَاهمَا تسمى فَاطِمَة، وَالْأُخْرَى: تسمى هندا. قَوْله: (أَو أُخْت عَمْرو) شكّ من الرَّاوِي، فَإِن كَانَت بنت عَمْرو تكون أُخْت الْمَقْتُول عمَّة جَابر، وَإِن كَانَت أُخْت عَمْرو تكون عمَّة الْمَقْتُول، وَهُوَ عبد الله. قَوْله: (فلِمَ تبْكي) بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم، اسْتِفْهَام عَن الغائبة؟ قَوْله: (أَو لَا تبْكي) ، شكّ من الرَّاوِي، وَلَيْسَ باستفهام، بل هُوَ نهي الغائبة، وَحَاصِل الْمَعْنى: تبْكي

الصفحة 86