كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ. وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّزْوِيجِ؟ فَقَالَ: أَرَاهُ وَاجِبًا. وَأَشَارَ إلَى هَذَا أَبُو الْبَرَكَاتِ، حَيْثُ قَالَ: وَعَنْهُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ بِمَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، وَيَخَافُ الْعَنَتَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. كَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ. وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْقَاضِي إطْلَاقَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي بَكْرٍ.
قُلْت: وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَأَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِينَ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا: مَنْ أَجْرَى الْخِلَافَ فِيهِ. فَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فِي وُجُوبِ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ يَخَافُ الْعَنَتَ وَيَجِدُ الطَّوْلَ رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهَذِهِ الصُّورَةِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، وَلَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَلَهُ شَهْوَةٌ. فَهَاهُنَا جَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَحَكَوْا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ.

الصفحة 10