كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

وَقَطَعَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِهَا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى صَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، مَعَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَفِي صُورَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهُوَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ وَلَا شَهْوَةَ لَهُ. حَكَاهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَلَامُ الْقَاضِي وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهْوَةٌ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ: الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالصَّدَاقِ.
قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: النِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ يُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّدَاقِ، وَلَا عَلَى مَا يَقُومُ بِأَوَدِ الزَّوْجَةِ: لَمْ يَجِبْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ قَادِرًا مُسْتَطِيعًا: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، لَا يَجِبُ. وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ. وَالْوُجُوبُ قَالَ: قُلْت: وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ أَضَافَ قَيْدًا آخَرَ، فَجَعَلَ الْوُجُوبَ مُخْتَصًّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأَمَةِ، مَعَ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، أَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ يَخَافُ الْعَنَتَ. فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ. قُلْت: قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يُبَاحُ ذَلِكَ. وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: فِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ. وَاخْتَارَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ الْوُجُوبَ.

الصفحة 11