كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا لَمْ يَجِدْ حُرَّةً. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الْوُجُوبَ مِنْ بَابِ وَجَوْبِ الْكِفَايَةِ لَا الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: ذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ إنَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. قُلْت: وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ ابْنُ الْمُنَى أَيْضًا: أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى. كَالْجِهَادِ. قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى الْأَعْيَانِ. تَرَكْنَاهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.
وَانْتَهَى كَلَامُ ابْنِ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، مَعَ مَا زِدْنَا عَلَيْهِ فِيهِ.

فَوَائِدُ:
الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ. أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ. قَالَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ.
الثَّانِيَةُ: عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ: لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْعُمْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي النُّكَتِ: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَكُونُ النِّكَاحُ فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ. لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: إذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَهَلْ يَسْقُطُ الْأَمْرُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ. لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا الِاسْمُ لَا يَزُولُ بِمَرَّةٍ. وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْوَسِيلَةِ، وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ.

الصفحة 12