كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

لَكِنْ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ الْبَيْعُ هُنَا لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابُ: تَحْرِيمَ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُخْرِجَ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ بَنَيْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّفْرِيقِ: لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفْرِيقُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، فِيمَا دُونَ الْبُلُوغِ. وَبَعْدَهُ. عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَعَلَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ التَّفْرِيقِ الْمُحَرَّمِ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَمَةِ بِلَا مُوجِبٍ. انْتَهَى.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ: لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) . سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ عَادَتْ بَعْدَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ اجْتِنَابُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. وَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ.

الصفحة 128