كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ، وَلَوْ بِزِنًا. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ. قُلْت: لَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ: إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِإِصْبَعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ. فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ) وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ. فَيُعْتَبَرُ النُّطْقُ فِي الْكُلِّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ ذَهَبَتْ بَكَارَتُهَا بِإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، وَبَيْنَ مَنْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا مُطَاوِعَةً فَيَكْفِي الصَّمْتُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ.

فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: حَيْثُ حَكَمْنَا بِالثُّيُوبَةِ، لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ: لَمْ يُزَلْ حُكْمُ الثُّيُوبَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْحَاكِمِ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثُّيُوبَةِ حَاصِلٌ لَهَا. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَحَلُّ وِفَاقٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ ضَحِكَتْ الْبِكْرُ، أَوْ بَكَتْ: كَانَ كَسُكُوتِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: فَإِنْ بَكَتْ كَارِهَةً فَلَا. إلَّا أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً. انْتَهَى قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّ الْبُكَاءَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَتَارَةً يَكُونُ لِشِدَّةِ الْغَضَبِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِالْوَاقِعِ. فَإِنْ اشْتَبَهَ فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا إلَى دَمْعِهَا. فَإِنْ كَانَ مِنْ السُّرُورِ كَانَ بَارِدًا. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحُزْنِ كَانَ حَارًّا. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَمَ {وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم: 26] . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يُمْكِنُهَا النُّطْقُ إذَا كَرِهَتْ.

الصفحة 65