كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحَدَّهَا أَبُو الْخَطَّابِ بِمَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَعِيدًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ زَوَّجَ الْأَخُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ الْبُعْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَأَطْلَقَ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: مَا تَسْتَضِرُّ بِهِ الزَّوْجَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: مَا يَفُوتُ بِهِ كُفْءٌ رَاغِبٌ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ أَيْضًا.
فَائِدَةٌ:
مَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَالْمَأْسُورِ، وَالْمَحْبُوسِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَعِيدِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ، مِنْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْعَزْلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ هَذَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ شَرْطَ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ: الْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ: أَقَرِيبٌ هُوَ، أَمْ بَعِيدٌ؟ لَمْ يُزَوِّجْ الْأَبْعَدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ وَالْحَالُ هَذِهِ. كَذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ لَا يَأْبَاهُ. انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مَجْهُولًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ، ثُمَّ عَرَفَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَوْ زُوِّجَتْ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهَا الْأَبُ.

الصفحة 77