كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ، حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ: خَرَّجَهَا فِي الْكَافِي عَلَى رِوَايَتَيْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ. وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَشَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ ابْنَ رَجَبٍ الصِّحَّةَ هُنَا. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فَاسِقًا، أَوْ مَجْنُونًا. وَعَادَتْ وِلَايَتُهُ بِزَوَالِ الْمَانِعِ. فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعَوْدِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ. وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِالْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّسِيبَ الْأَقْرَبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُنْسَبْ الْأَبْعَدُ إلَى تَفْرِيطٍ. فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ. فَسَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ. فَالْأَبْعَدُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فِيهِ مَانِعٌ وَزَالَ. فَإِنَّ الْأَبْعَدَ يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ، إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ حَالِ الْأَقْرَبِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ) . يَعْنِي: لَا يَكُونُ وَلِيًّا لَهَا (إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ) وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ، غَيْرَ نَحْوِ أُمِّ وَلَدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلِيهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

الصفحة 78