كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 8)

قَوْلُهُ (وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اتِّحَادٍ بَيْنَهُمْ أَوْ تَبَايُنِهِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ كَوْنِ النَّصْرَانِيِّ يَلِي نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ وَعَكْسِهِ وَجْهَيْنِ، مِنْ تَوَارُثِهِمَا وَقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ: هَلْ هُوَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ. أَعْنِي: يَكُونُ وَلِيًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ بَلْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَذْهَبُ، لِلنَّصِّ عَنْ الْإِمَامِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ التَّزْوِيجَ، وَيَعْقِدَ النِّكَاحَ بِنَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُبَاشِرُهُ، وَيَعْقِدُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ.

الصفحة 80