كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

فقيل: إنّ داره موقوفةٌ في يد أمين القاضي، فرجعت إلى الأبلّة والمال معي، فبينا أنا ذات يوم جالسٌ إذ وقف على رأسي رجلٌ فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم، قال: وخرجت إلى الصين؟ قلت: نعم، قال: وبعت رجلاً هناك رصاصاً؟ قلت: نعم، قال: أتعرف الرجل؟ فتأملته، فقلت: أنت هو، قال: أعلمك أنّي قطعت تلك الرصاصة لأستعمل شيئاً منها فوجدتها مجوّفة، ووجدت فيها اثني عشر ألف دينار، وقد جئت بالمال فخذ مالك عافاك الله، فقلت له: ويحك، ليس المال لي، ولكنّه كان من خبره كذا وكذا، وحدّثته، قال: فتبسم الرجل ثم قال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا، قال: هو عمّي وأنا ابن أخيه، وليس له وارثٌ غيري، وأراد أن يزوي هذا المال عنّي، وهو هرّبني من البصرة سبع عشرة سنةً، فأبى الله تعالى إّلا ما ترى على رغمه؛ قال: فأعطيته الدنانير كلّها ومضى إلى البصرة فأقام بها.
حدّثنا القاضي أبو حامد قال: كان لي عمٌّ بمرورّوذ، وكان وجيهاً في البلد، وكان شديد المقت لي فاحش الإعراض عنّي؛ واتفق أنّي حضرت بعض العشيّات مجلس رئيس البلد، ودخل عمّي بعدي وكنت في كلامٍ، فسمع بقيّة ما كنت فيه، فقال للرئيس: من هذا الفتى الكامل الفاضل؟ فوالله ما رأيت أحداً في سنّه أكثر عقلاً، ولا أحسن كلاماً منه، وإنّما أنكرني الاختلاط ظلام الليل، فقال الرئيس: إنّه أبو حامد، قال: ومن أبو حامد؟ قال: ابن أخيك، قال: لعنه الله وقبّحه، فما أعرف نسمةً أبغض منه إليّ، وإنك لو عرفت باطنة لما استحسنت ظاهرة ونهض متلوياً من حسد نار به ومناقضةٍ أتى بها، وحالٍ فجأته، وكامن ظهر عليه. وكان القاضي أبو حامد يحدّثني بهذا العمّ، وكان شديد العداوة، قاطع الرّحم، قبيح الجفاء، وكان يقول: والله لا ورثتني، ولأهبن مالي لبختيار - وكان أمير بغداد - ولساسته، ولا أتركه لك، ثمّ أبى الله ذلك.

الصفحة 123