كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

قال: وحدّثني أبو حامدٍ بحديثه مع عمّه حين حدّثته أنّ عمّي كان قاعداً في بعض العشيّات في قطيعة الرّبيع، فاجتزت به متوجّهاً إلى مجلس أبي الحسن ابن القطّان الفقيه الشافعيّ، فقال له جلساؤه: إنّ ابن أخيك با أبا العبّأس مجتهدٌ في طلب العلم، يغدو ويروح، ولقد سمعنا تلاوته للقرآن فاستجدناها، ولقد سمعنا منطقه فاستأنسنا به، وقد كتب الحديث الكثير، وسافر وتصّوف، فقال للجماعة: هذا كلّه كما تقولون، ولكن له عيبٌ واحد، قالوا: وما هو؟ قال: يأكل في كلّ يوم أربعة أرغفةٍ، فورد على الجماعة ما حيّرها وأضحكها. وقد رأينا أعماماً قطعوا أرحاماً، فقطع الله أعمارهم، وأقفر ديارهم، وأورثهم خسارهم. وإنّما سقت هذا ناهياً عن قطيعة الرّحم، وحاثّاً على حفظ القرابة، مذكّراً عواقب القطيعة، ومحذّراً من قبيح القالة، وإلى الله تعالى نفزع في كلّ ما دقّ وجلّ، فهو المنتهى وإليه الرجعى.
احتضر ابن أخٍ لأبي الأسود الدؤلي - هكذا الفصيح يفتح الهمزة - فقال: يا عمّ، أموت والناس يحيون؟ قال: كما حييت والناس يموتون.
قال ابن السّمّاك: أهل القبور على الاختبار، وأهل الدّور على الاضطرار والانتظار، فأمّا أهل القبور فندموا على ما قدّموا، وأمّا أهل الدّور فيقتتلون على ما عليه أهل القبور ندموا، فلا هؤلاء إلى هؤلاء يوجعون، ولا هؤلاء بهؤلاء يعتبرون.
شاعر: الوافر
أنا ابن محفّضٍ والسّكب خالي ... إذا أنا من بني رجل الحمار
أسود إلى العلى بأبٍ وجدٍّ ... إذا عظمت مراهنة الخطار
شيوخاً طال ما سادوا وقادوا ... تميماً في الملمّات الكبار
فلا تمدد يديك بلا قديمٍ ... إلى أهل القديم ولا نجار

الصفحة 124