كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

فلا يستطيع إلهاب المذكّي ... لدى الغايات أفلاء المهار
يسطيع إسطاعاً لغة، فلا تنكر الضّمّ في الياء، فإنّه يقال: أسطاع يسطيع إسطاعاً، واسطاع يسطيع اسطياعاً، واستطاع يستطيع استطاعةً، والاستطاعة: طلب الطّاعة.
478 - والاستطاعة عند المعتزلة قبل الفعل، زعموا، كما أن العين قبل الإدراك، واليد قبل الضّرب. وقال خصومهم: الاستطاعة مع الفعل، وبعض مجّان المتكلّمين يقول: بعد الفعل، والحقّ من ذلك أنّ الاستعداد والتهيّؤ قائمان بالإنسان التامّ المزاج العلة، فإذا أنشأ الفعل تقدّمته همّةٌ، وبعثته إرادةٌ، وساعدته قوةٌ، وتمّمته استطاعةٌ، فبانتظام هذه القوى فيه، وانبعاثها منه، والتصاقها به، سمّي قادراً، ومرّةً مستطيعاً، ومرّةً قوياً، والصّفات تعتوره من بعد على قدر درجاته في هذه الأحوال، وهذه القوّة والاستطاعة هو عواريّ عند الإنسان، تزداد مرةً بامتداد المعير، وتنقص على ذلك التّقدير، ولهذا لم يكن الإنسان قادراً على الإطلاق، ولا عاجزاً على الإطلاق، بل كان وعاءً لهما، محمولاً عليهما، ولو عري من القدرة رأساً لما كلّف، ولو ملك الاستطاعة رأساً لما لجأ إلى الله ولا تضرّع، فهو بين قدرة من أجلها أمر، وبين عجزٍ من أجله اضطرّ وعذر، ولو كان مستطيعاً على الحقيقة لبطر وأشر، ولو كان عاجزاً على الحقيقة لما كلّف ولا أمر، فسبحان من خلق هذا الخلق، وصرّفهم على الكمال والنّقص، وضربهم بالسعادة والنّحس، وألجاهم إلى النّفس والحدس، ليعرفوا بكمالهم كمال مكمّلهم، ويعرفوا بنقصهم استئثار مدبّرهم، فيعتمدوا عليه، ولولا هذا التدبير المنطوي على الحكمة، الجاري على نظام العقول السّليمة، لكانت قدرتهم تنسيهم عجزهم، وإذا نسوا مواضع العجز فتنوا بمواضع القدرة، ألا ترى أنّ الخلق مع تعاور الآفات عليه، وتسارع النّكبات إليه، وتحكّم البلاء فيه، وتفسّخ عزائمه وتداعي أواخيه،

الصفحة 125