كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

واعلم أن بقاءك بصفاتك، وصفاءك بتفاني هذه الأشياء عنك، واعلم أنّ فناءك بكدرك، وكدرك بتعاور هذه الأشياء عليك، فانج ما كنت على جوادك، فيوشك أن يعثر بك فيلقيك في هوةٍ لا تنتعش منها أبداً، فإن باشرت الشكوك بقلبك، وطرحت المواعظ عن سمعك، وثقلت النّائح على عقلك، فاعلم أنّك ميت وإن كنت في مسك حيّ، وعليلٌ وإنّ كنت في ثياب صحيح، ومخذولٌ وإن تتابع لك النّصر، ومحرومٌ وإن اتسّع عليك الرّزق، ومحبوسٌ وإن كنت في صورة مسيّب، ومرحومٌ وإن كنت في ظاهر مرضيٍّ عنه، ومعذبٌ وإن طال بك الاستمتاع، فعليك السلام، فقد وقع اليأس منك، وانقطع الرجاء عليك، وما أحوجك عند هذه العاقبة إلى نائحةٍ تبكي عليك، وتندب شبابك، وتعدّد محاسنك، وما أخوفني أنّك إلى الشماتة بك أقرب، وبالانتقام بك أحقّ، لأنّ من عشي عن الذّكر، وألف إهمال الفكر، وأغفل حقّ النّعمة بالشّكر، وسكن مساكن الظالمين، ووقف مواقف العائدين، وتجاهل وهو يعلم، وتعامى وهو يبصر، وتغافل وهو يدري، وتشكّك وهو يتيقنّ، وتمارض وهو صحيح، وتناكر وهو عارف، حقيقٌ بأن يشمت به العارف بحاله، المطلع على أمره.
اللهمّ لا ترسلنا من يدك، ولا تلنا بكيدك، وكن بنا أرأف منّا، إنّك أهل ذلك، واللاّطف به.
478ج - افترّ هذا الحديث الطويل عن تفسيره قوله: يسطيع، ولو نهلت على حسب إرادتي لأفردت هذا الكلام عن المكان وتثبّتّ فيه، ولما قنعت له بخاطرٍ عابر، وهاجسٍ سانح، ولفظٍ لم يخدمه التّنقيح، ولم يشقّق عليه الرأي، ولم يستعن عليه بالسّهر، ولم يجتلب إليه المعنى المبيّت المخمّر، وعلى هذا جرى الكتاب من أوّله، والله تعالى أسأل بلوغ آخره، مشفّعاً بالقول والعمل، غير مغترٍّ بامتداد أجل، واختيال أمل.

الصفحة 127