كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

تحذير، وليس كذلك التّبشير، فإنه مقصورٌ على إعلام الخبر، وسمعت من يقول: فلم قال الله تعالى: " فبشّرهم بعذاب أليم " وهذا محذورٌ، فقلت: أرجو أن أحكيهما لك وأعرضهما على عقلك، ليكونا عندك: إنّما قال الله لهم ذلك على وجه التّهزّؤ بهم، ألا ترى أنه قال تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وهو الذّليل اللئيم، كما تقول للرجل: يا عاقل، كانياً عن حمقه، لأنّك تكره اللفظ لبشاعته، وتضمر المعنى للحاجة إليه، ولو أفصحت باللفظ الأخصّ عن المعنى الأخصّ عاد سفهاً وصار خصومةً. والجواب الآخر أنه قال: إنّ هذا الإعلام قد تعلّق بخبرٍ لأنّه قد حاشهم إلى الجنّة بهذا التحذير، ويقال: معنى بشّرته أي أظهرت على بشرته ذلك.
وأما كسر نذار فبناءٌ، نظيره: حذار ونزال وتراك، وقطام وحذام وقيل: إنهم أشارو بهذا البناء إلى تكرير الفعل كأنّهم قنعوا به عن قولهم: احذر، واترك، والله أعلم.
وأمّا قوله داهيةٍ إدّ فهي الشّديدة، من قولهم: آدني الأمر أي أثقلني، يؤودني، وقد ردّ هذا جماعةٌ من العلماء وقالوا: لا يكون منه إدّ إنما يكون آيدٌ، مثل قال يقول فهو قائلٌ، وأدري يأدو إذا قتل الصيد فهو آدٌّ، يا هذا، وقد يلتبس الأمر على من لم يكن ذا مهارةٍ في هذه المواضع الخفيّة؛ وكان القاضي أبو حامد يقول: من كان نصف طبيبٍ فإنّه يقتل العليل، ومن كان نصف فقيهٍ فإنّه يحلّل المحرّم، ومن كان نصف نحويٍّ فإنّه يلحن أبداً، ومن كان نصف لغويٍّ فإنه يصحّف أبداً؛ هذا قوله وليس الكمال مأمولاً للخلق، لكنّ الحكم للغالب الأكثر، والشائع الأفشى.
وأما قوله خبوطٍ باليد فهو ضروبٌ باليد على جهلٍ بمواضع الضّرب، وكذلك اللّبوط بالرّجل.
وأمّا قوله أتكلّم فذّاً فالفذّ الواحد، ولا يطلق في ذات الله تعالى الواحد

الصفحة 136