كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

بعلمه، وينتهي إلى قدره، ولا إله إلاّه، أحصى كلّ شيءٍ عدداً، وأحاط بكلّ شيءٍ علماً، وجعل لكلّ قدراً، ومن أسباب قدره أن سهّل لي بعدك من الشّعر ما أخاطب به الشاهد وأكاتب الغائب، وأجتدي به وأستزيد، وأبلغ ما أريد، وهو يؤنسني إذا أوحشت، ويطيعني إذا عصيت، ويصدع عنّي إذا شيت، بليغ الخطبة، جميل العشرة، كريم الصّحبة، يرد الأندية، ويلج الأخبية، سائراً في البلاد، مسافراً من غير زاد، راضياً إن رضيت، مؤذياً إن أوذيت، جازياً بما أوليت، باقياً إذا أفنيت، معترضاً في الأسمار، عالماً بالأخبار، ومعزّياً عن الأوتار، يحضر إن غبت، ويجسر إن هبت، ولا يحظر بالحظر، ولا يوزع بالزّجر، إذا قيّد رتك، وإذا أغمد بتك، وإذا جرّد فتك، يلقح به الغزل ويعلل به الشمل ويأنس به الوجل وقد أتحفتك منه ببعض ما يجدّد عندك ذكرنا، وتعرف به خبرنا، وهو شعرٌ قلته في مقامٍ واحدٍ لم أزل أعجب منه، وسأصف لك المقام لتحمد الله تعالى عليه: لمّا كان اليوم الذي وردنا نيسابور، وقصدنا باب الأمير، وقد احتشد لنا الناس وكان من قدّر ذلك يتوهّم مع الخبر الشائع الذي حملنا له أنّ الداعي علينا سيكثر، وأنّ الشّامت بنا سيظهر، إذ كنّا في حالٍ لم يحمل على مثلها بابك ولا المازيار، وما منهما إلاّ قد رأينا؛ فبينا الناس كذلك إذ اقبل به في محملٍ قليل الوطاء، مسلوب الغطاء، فلمّا توسطنا الجماعة، ونظروا إليه، فلم يكن في ظاهره ما يسمج، ولا في قديمه ما ينكر، ولا في مساعيه ما ينقم، ولا في قدر الذّنب الذي ذكر أنه فعله ما يبلغ به ذلك عند الناس، وجد الوليّ إلى الدّعاء له بالخير سبيلاً، وساعده من حضر، وارتجّ الجميع بالدعاء له، فصار ما نعي عليه

الصفحة 204