كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

كلّ ما يريد كيف ينزل حاجته بالعبيد.
قال أبو سليمان الدّاريّ: من طلب الدّنيا على المحبّة لها لم يعط منها شيئاً إّلا أكثر منه، ليس لهذه غاية، ولا لهذه نهاية.
دعا رجلٌ فيلسوفاً فأجابه، ثم دعاه مرةً أخرى فأبى عليه، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إنّه لم يشكرني على المرة الأولى.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: إني لا أريد من الدنيا أكثر ممّا أعطى، فقال لي: لكني أعطى منها أكثر مما أريد.
قال أبو سليمان: الزّهّاد في الدّنيا على طبقتين: منهم من يزهد في الدّنيا ولا تفتح له روح الآخرة فهو يغتمّ في دنياه لأنّ نفسه قد يئست من شهواتها، وليس شيءٌ أحبّ إليه من الموت لما يرجو من نعيم الآخرة، ومنهم من يزهد وتفتح له روح الآخرة فليس شيءٌ أحبّ إليه من البقاء ليطيع.
قال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت أبا سليمان الدّاريّ يقول في رجلين تعبّدا وهما يشتهيان شهوةً وكلاهما لها تاركٌ، فخرجت من قلب أحدهما ولم تخرج من قلب الآخر، قال: الذي خرجت من قلبه أفضل، لأنه لم يخرجها فّلا شيءٌ من الآخرة، قال أحمد: فاختلفنا في المسألة بعباّدان وخرجنا إلى البصرة ولقينا رباحاً القيسيّ فوافقني عليها.

الصفحة 37