كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

اليوم نحمد ذا شرٍّ لا يفضل عنه شرٌّ.
يقال إنّ يوسف عليه السلام كتب على باب السجن: هذه منازل البلوى، وقبو الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء.
قال بعض السّلف: معادن البهاء لا يقطع بين متّصلها تفاوت الأعمار، ولا يعفّي آثارها بلى الأبدان، وليس كلّ من يحكي الحكمة كان من أهلها، أولئك أبناء الدّنيا وخول الجهل، المحجوجون باستعارة اسمها، المسلوبون منفعة عواقبها، ولكنّ أبناء الحكمة الذين حبوا بموت الدّنيا في عقولهم، ونعموا بتخليتها من قلوبهم، الذين أخلق عندهم جديد العبر، وغيّبها عنهم مشاهدتهم غيب المعاد، وانتقالهم إلى دار اليقين.
غضب الإسكندر على شاعرٍ فأقصاه وفرّق ماله في الشعراء، فقيل له: أيّها الملك بالغت في عقوبته، قال: نعم، أمّا إقصائي إياه فلجرمه، وأمّا تفريقي ماله في أصحابه فلئلاّ يشفعوا فيه.
وقيل للإسكندر: إنّ فلاناً يجود في السّكر بما يسحّ به في الصّحو، قال: لا يحمد، لأنّ الصّحو عقلٌ والسّكر مباينٌ للعقل.
بلغ الإسكندر موت صديقٍ له فقال: ما يحزنني موته كما يحزنني أنني لم أبلغ من برّه ما كان أهله مني، فقال له فيلسوف: ما أشبه هذا القول بقول ابني وهو يجود بنفسه: ما يحزنني موتي كما يحزنني ما فات من إظهار بأسي وبلائي في العدوّ.

الصفحة 39