كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

الحقّ، ففاجأهم الموت فخلّفوا مالهم لمن لا يحمدهم، صاروا إلى من لا يعذرهم، وقد خلفنا بعدهم، فينبغي أن ننظر إلى الذي كرهناه فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله.
كتب الجاحظ في الملح: المزح متفاوت الأشكال في السّخف، كما أنّ الجدّ متفاوت الأقدار في الوزن، فلم نقصد إلى الباطل، ولا إلى ما لا يردّ نفعاً في عاجل، ولا مرجوع له في آجل، بل إنّما أردنا أن يكون ذلك الضحك إجماماً للقوّة، وتنشيطاً على العمل، وقد حكى الله تعالى عن اليهود قولهم " يد الله مغلولةٌ " وإنّ الله فقيرٌ وهم أغنياء، فكانت الحكاية كفراً مسخوطاً، وكذباً مرفوضاً، ولست تعرف فضل النعمة عليك في حسن البيان حتى تعرف شدّة البليّة في قبح العيّ، ومتى سمعت التهكّم في القول، عرفت فضل النّعمة في الاقتصاد، ومن لم يعرف السّوء لم يجتنبه، ومن لم يعرف الإضاعة لم يعرف الحزم. وقيل لعمر: فلانٌ لا يعرف الشرّ قال: ذاك أجدر أن يقع فيه؛ قال النابغة: الطويل
ولا يحسبون الشرّ لا شرّ بعده ... ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب
ولآخر: الطويل
ولا يحسبون الشرّ حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الخير إّلا تدبّرا
وكانت العرب تقول: نعوذ بالله من الرأي الدّبريّ؛ وقال جثّامة بن

الصفحة 59