كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

الغايات معوقة، فمن أهمل ما ظهر فقد جهل الممكن، ومن بحث عمّا بطن فقد حاول الممتنع، أخبرك مكنون غيبه فيك، وخبرك في ظاهر إعلامه لك، فكان الإخبار لمكان الإلهيّة، وكان الإعلام لمكان العبوديّة، فلا تدع عبوديّةً هي قائمةٌ بك ومنطويةٌ فيك، لإلاهيةٍ غائبةٍ عنك عاليةٍ عليك، فاستقين أنّك مطلق الظاهر، مأسور الباطن، مخيّر العلانية، مملوك السّرّ، ولو تمكّنت كلّ التّمكّن كنت غنيّاً بنفسك، مستقلاًّ بشأنك، ولو حصرت كلّ الحصر كنت غير مخاطب ولا مطالب، وإن أفنيت حالك بين اختيارٍ ظهر لك، واضطرارٍ بطن فيك. ثمّ قوّم اختيارك بالاحتجاج عليك، ورفع اضطرارك بالجهل عنك، وصرت ترى إساءتك فتندم، وتشهد حسنتك فتفرح، ولو جبرنا بالجبر ما وجدت ندامةٍ ولا فرحاً، ولو تمنّينا بالاختيار ما سألت التوفيق، فهو أمرٌ مسندٌ إلى الله تعالى لعلمه الغائب عنك. وقوّم - أيّدك الله - توحيدك، وصحّح عقيدتك، وصفّ فؤادك، وزكّ عملك، واثبت لربّك على قدم الصّدق، واستقص حسابك على نفسك، فإنّ من تعرضه عليه لصيرٌ بك، ومتى رأى استقصاءك أغضى، ومتى رأى إغفالك ناقش.
لأشجع: الطويل
فإن تك قد صدّت فخيرٌ من النّوى ... على كلّ حالٍ هجرها وصدودها
فكن حيث كانت من بلادٍ فإنّه ... عسى بعد يأسٍ أن ينالك جودها
تقرّب ما تهوى بحسن عداتها ... ويأبى علينا ليّها وجحودها
وأطيب ريقٍ ريقها بعد هجعةٍ ... وأحسن شيءٍ مقلتاها وجيدها
قال ثعلب: العرب تقول: رأيت حدائق وجناناً كأنّها حدائق

الصفحة 72