كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 8)

سئل سفيان بن عيينة: هل حرّمت الصّدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل عترته الطّاهرة؟ قال: ألم تسمع قول إخوة يوسف: " وتصدق علينا إنّ الله يجزي المتصدّقين " وهم لا يعرفون يوسف، يريدون أن يتصدّق عليهم وعلى يعقوب.
سئل سفيان بن عيينة عن الكراهية لرفع الصوت وكثرة الكلام عند الميت وفي الجنازة قال: لأنه الحشر إلى الآخرة، ألم تسمع قوله: " يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إّلا همساً " فلتعظيم الموت استحبّ قلّة الكلام.
وسئل عن قوله صلّى الله عليه: " لا يضرّ المدح من عرف نفسه "، قال: ألم تسمع قوله " اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظٌ عليمٌ "، وقول العبد الصالح: " إنّي لكم رسولٌ أمينٌ "، أي لكم ناصحٌ أمين، فمن عرف أنّ ما به من نعمةٍ فمن الله تعالى فال بأس " وأمّا بنعمة ربّك فحدّث "، وإن أثنى عليه غيره عرفت أنّ ذلك ستر الله تعالى ونعمته، ألم تسمع قول الله تعالى: " وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليّاً "، وكان محمدٌ صلّى الله عليه لسانه الذي أنطقه الله تعالى عنه، فأكذب من قال فيه غير الحقّ: " إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين "، وقال: " ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانياً "، فهذا اللسان الصّدوق. وقال ابن مسعود: إنّي لأعلمكم بكتاب الله تعالى وما أنا بخيركم؛ وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ بين جنبيّ علماً جماً فسلوني قبل أن تفقدوني. فمن عرف أنّ الأمر من الله تعالى لم يضّره المدح، لأنّه قد عرف نفسه، ولا يضرّ ثناءٌ من أثنى عليه كقول عمر: اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً ممّا يظنّون.

الصفحة 77