كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

ذَلِكَ حَدِيثُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ عَنْ أَبِيهِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ فِي صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِإِبِلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الْأَرَطَّى «1» قَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ؟» قُلْتُ: عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، قَالَ «ارْفَعْ فِي النَّسَبِ» فَانْتَسَبْتُ لَهُ إِلَى مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهَذِهِ صَدَقَةُ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «هَذِهِ إِبِلُ قَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي» ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنَّ تُوسَمَ بِمِيسَمِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَتُضَمَّ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: «هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟» فأتينا بجفنة كالقصعة كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَذَرِ «2» ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهَا فَأَقْبَلْتُ أُخَبِّطُ بِيَدِي فِي جَوَانِبِهَا فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى فَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ. ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ رُطَبٌ شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ رُطَبًا كَانَ أَوْ تَمْرًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدِي وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَقِ وَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «يَا عِكْرَاشُ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» «3» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ وَعَفَّانُ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالُوا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا، فَرُبَّمَا رَأَى الرَّجُلُ الرُّؤْيَا فَسَأَلَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يعرفه، فإذا أثنى عليه معروف كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ إِلَيْهِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ فَأُخْرِجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ وَجْبَةً انْتَحَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَفُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَسَمَّتِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ سِرِّيَّةً قَبْلَ ذَلِكَ فَجِيءَ بِهِمْ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ طُلْسٌ «5» تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُمْ، فَقِيلَ اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى نَهْرِ الْبَيْدَخِ أَوْ الْبَيْذَخِ، قَالَ فَغُمِسُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَوُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَأُتُوا بِصَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا بُسْرٌ، فَأَكَلُوا مِنْ بسره ما شاؤوا فَمَا يُقَلِّبُونَهَا مِنْ وَجْهٍ إِلَّا أَكَلُوا مِنَ الفاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم فأتى البشير من تلك السرية، فقال ما كان
__________
(1) الأرطى: شجر عروقه حمر طوال.
(2) الوذر: قطع من اللحم لا عظم فيها، واحدتها: وذرة.
(3) أخرجه الترمذي في الأطعمة باب 41، وابن ماجة في الأطعمة باب 11.
(4) المسند 3/ 135. [.....]
(5) ثياب طلس: ثياب مغبرة.

الصفحة 12