كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 8)
أسماءها! هِيَ النَّارُ وَالْجَحِيمُ وَسَقَرُ وَجَهَنَّمُ وَالْهَاوِيَةُ وَالْحَافِرَةُ وَلَظَى وَالْحُطَمَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ:
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لَئِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ بَعْدَ أَنْ نَمُوتَ لَنَخْسَرَنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ أَيْ فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ وَلَا تَأْكِيدَ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ الله تَعَالَى إِسْرَافِيلَ فَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، فَإِذَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ عز وجل ينظرون، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 52] وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [الْقَمَرِ: 50] وَقَالَ تَعَالَى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النَّحْلِ: 77] .
قَالَ مُجَاهِدٌ: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ إبراهيم التيمي: أشد ما يكون الرب عز وجل غَضِبًا عَلَى خَلْقِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: زَجْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ، وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ النَّفْخَةُ الآخرة.
وقوله تعالى: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ قال ابن عباس: الساهرة الْأَرْضُ كُلُّهَا، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وابن زيد: الساهرة وَجْهُ الْأَرْضِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا بِأَسْفَلِهَا فَأُخْرِجُوا إلى أعلاها، قال والساهرة المكان المستوي، وقال الثوري: الساهرة أَرْضُ الشَّامِ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ: الساهرة أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: السَّاهِرَةُ جَبَلٌ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ قتادة أيضا:
الساهرة جَهَنَّمُ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ كُلُّهَا غَرِيبَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا الْأَرْضُ وَجْهُهَا الْأَعْلَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا خَزْرُ بْنُ الْمُبَارَكِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ عَفْرَاءُ خَالِيَةٌ كَالْخُبْزَةِ النَّقِيِّ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يقول اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [إِبْرَاهِيمَ: 48] ويقول تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طَهَ: 105- 107] وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الْكَهْفِ: 47] وَبَرَزَتِ الْأَرْضُ الَّتِي عَلَيْهَا الْجِبَالُ وَهِيَ لَا تُعَدُّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ ولم يهراق عليها دم.
[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26)
يُخْبِرُ تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ابتعثه إلى فرعون،
الصفحة 316
520