كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ له.
وقال سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ الصَّمَدُ الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ «1» ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَيْضًا الصَّمَدُ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَكَذَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ سَاقَ أَكْثَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رُومِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن سعيد قائد الأعمش، حدثنا صالح بن حبان عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ قَالَ: «الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ» وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ بَعْدَ إِيرَادِهِ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصَّمَدِ: وَكُلُّ هَذِهِ صَحِيحَةٌ وَهِيَ صِفَاتُ رَبِّنَا عَزَّ وجل، هو الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَهُوَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ. وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَلَا صَاحِبَةٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يَعْنِي لَا صَاحِبَةَ لَهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَنْعَامِ: 101] أَيْ هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نَظِيرٌ يُسَامِيهِ أَوْ قَرِيبٌ يُدَانِيهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مَرْيَمَ: 88- 95] .
وَقَالَ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 26- 27] وَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 158- 159] وفي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ» «2» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ
__________
(1) انظر تفسير الطبري 12/ 743.
(2) أخرجه البخاري في التوحيد باب 3، والأدب باب 71، ومسلم في المنافقين حديث 49، 50، وأحمد في المسند 4/ 401، 405.

الصفحة 498