كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

"من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل، ثم هداني الله فأخذت اللبن، فقال شيخ بين يدي -يعني لجبريل-: أخذ صاحبك الفطرة".
وقد كان إتيانه بالأواني مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة.
وممن صرح بأنه كان مرتين الحافظ عماد الدين بن كثير، وعلى هذا فيكون
__________
"من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين أحدهما لبن، والآخر عسل"، فعدلت بينهما، هكذا في الحديث قبل قوله: "ثم هداني الله، فأخذت اللبن، فقال شيخ بين يدين" أسقط من الرواية، متكئ على منبر له، "يعني لجبريل: أخذ صاحبك الفطرة"، وإنه لمهدي، كما في بقية حديث شداد.
وفي حديث أبي هريرة عند الشيخين: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به بإيلياء بإناء فيه خمر، وإناء فيه لبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك.
وفي حديث أنس عند البيهقي: فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فأخذ اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، لو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
قال الحافظ: ويجمع بين هذا الاختلاف في عدد الآنية وما فيها، بحمله على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر، ومجموعها أربعة آنية، فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى، فلعله عرض عليه من كل نهر إناء، انتهى، وسيأتي هذا في كلام المصنف.
وأما الاختلاف، أن عرض الأواني في بيت المقدس، أو بعد سدرة المنتهى، والبيت المعمور، فالجمع بينهما ما ذكره بقوله:
"وقد كان إتيانه بالأواني مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة" ببيت المقدس، وسببه ما وقع له من العطش، قاله الحافظ، "ومرة عند وصله إلى سدرة المنتهى، ورؤية الأنهار الأربعة" التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى، وفي هذا أعمال لجميع الروايات لصحتها كلها، وهو أولى من جمع الحافظ أيضًا بحمل، ثم في رواية مالك بن صعصعة؛ أنه أتى بالأواني بعد سدرة المنتهى. ورفع البيت المعمور له على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا.
"وممن صرح" على طريق الترجي؛ "بأنه كان مرتين الحافظ عماد الدين بن كثير"، لا الجزم كما يوهمه المصنف، فعبارة الشامي.

الصفحة 101