كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
تكرار جبريل عليه السلام بالتصويب حيث اختار اللبن تأكيدًا للتحذير مما سواه.
وقد أنكر حذيفة ربط البراق بالحلقة، فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال: يحدثون أنه ربطه، أخاف أن يفر منه، وقد سخره له عالم الغيب والشهادة؟ وكذا أنكر حذيفة أيضًا صلاته عليه السلام ببيت المقدس.
وتعقبه البيهقي وابن كثير: بأن المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفي ذلك، فهو أولى بالقبول.
__________
قال السيهلي، وابن دحية، وابن المنير، وابن كثير والحافظ: ولعله قدم مرتين، أي: جمعا بين الروايات، "وعلى هذا، فيكون تكرار جبريل عليه السلام للتصويب، حيث اختار اللبن تأكيدًا للتحذير مما سواه"، أي: اللبن، وذلك السوي هو الخمر خاصة، "وقد أنكر حذيفة"، بن اليمان رضي الله عنهما "ربط البراق بالحلقة، فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال: يحدثون أنه ربطه"، أي: البراق، "أخاف أن يفر منه"، كذا في النسخ الصحيحة، بهمزة الإنكار، ومثلها في الفتح، والنعماني، والشامي والغيطي، فيما في نسخ: خاف بحذفها سهو من قلم المصنف أو نساخه.
"و" الحال أنه "قد سخره له عالم الغيب والشهادة" فكيف يخاف أن يفر منه، وتجويز أن خاف بلا همزة، حكاية عن كلام المحدث عنهم، وأنه رد عليهم بقوله، وقد ممنوع، إذ جميع الذين حدثوا بأنه ربطه، لم يقل أحد منهم أنه خاف أن يفر منه، والجواب عما وجه به إنكار ربطه؛ أنه لم يفعل ذلك خوفًا.
قال النووي في ربط البراق: الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، إذا كان الاعتماد على الله.
وقال السهيلي: فيه من الفقه التنبيه على الأخذ بالحزم مع صحة التوكل، وأن الإيمان بالقدر لا يمنع الحزم من توقي المهالك.
كما روي عن وهب بن منبه، "وكذا أنكر حذيفة أيضًا" في هذا الحديث "صلاته عليه السلام ببيت المقدس"، واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه، كما كتبت عليكم الصلاة في البيت العتيق.
"وتعقبه البيهقي وابن كثير، بأن المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت لمقدس"، وهم جمهور الصحابة "معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول" من النافي؛ لأنه لم يصحبه دليل نفيه.