كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
معك؟ قال: هذا محمد رسول الله خاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ثم لقوا أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم.
فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذني خليلًا، وأعطاني ملكًا عظيمًا، وجعلني أمة قانتًا يؤتم بي، وأنقذني من النار، وجعلها علي بردًا وسلامًا.
__________
وترجيح ضمير صلى بجبريل، وأن المعنى صلى مع الملائكة لما وجدهم يصلون بعيد جدًا، بل يمنعه ما رواه الواسطي عن كعب، فأذن جبريل، ونزلت الملائكة من السماء، وحشر الله له المرسلين، فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة والمرسلين، "فلما قضيت الصلاة"، بالنباء للمفعول، أي: تمت، وفرغوا منها، "قالوا: يا جبريل من هذا معك"؟، خبر بعد خبر، أو حال، "قال: هذا محمد رسول الله خاتم النبيين" والرسل، "قالوا: وقد أرسله إليه"، أي: طلب للحضور، لا أرسل إليه بالوحي، أم لا لقوله لهم رسول الله، "قال: نعم، قالوا: حياه الله"، أي: أبقاه، وسلمه وملكه ما أعظمه وأكرمه "من أخ"، فمن متعلق بمحذوف، أو مبنية للضمير، أو زائدة، وجعلواه أخا لهم؛ لأن المراد أخوة الإيمان، "ومن خليفة" لله تعالى لعمارة الأرض وسياستها، وتكميل النفوس البشرية، وتنفيذ الأوامر الإلهية، لا لاحتياجه تعالى، بل لقصور الخلق عن التلقي بلا واسطة فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ثم لقوا"، أي: المصطفى واملائكة ببيت المقدس بعد انقضاء الصلاة "أرواح الأنبياء" متشكلة بصور أجسادهم، "فأثنوا"، أي: الأنبياء "على ربهم"، وتجويز أن المثنى الملائكة لملاقاتهم الأنبياء، كما يقول: من رأى صالحًا، الحمد لله الذي من علي بلقائك، يمنعه قوله، "فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذني خليلًا" صفيًا خالص المحبة له، "وأعطاني ملكًا عظيمًا".
قال ابن دحية: لا يعهد لإبراهيم ملك عرفي، فإما أن يراد بالملك الإضافة إليه نفسه، لقهره عظماء الملوك، وناهيك بنمروذ وقد قهره الله لحليله وعجزه عنه، وغاية الملك العظيم قهر الملك العظيم، فالقاهر أعظم من المقهور قطعًا، أو يراد الإضافة إلى بنيه وذريته نحو ملك يوسف، ولهم جرًا، كملك داود وسليمان، والكل من ولد إبراهيم، وفي التنزيل: {آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54] ، والإشارة هنا إلى ذريته، وإما أن يراد ملك النفس في مظنة الاضطرار مثل ملكه لنفسه، وقد سأله جبريل: ألك حاجة؟ قال: "أما إليك فلا"، "وجعلني أمة": إمامًا جامعًا لخصال الخير، وفضائل لا تكاد توجد إلا مفرقة في أشخاص كثيرة، والجامع لذلك أمة لقيامه مقام الجماعة، كأنه اجتمع فيه ما تفرق في غيره، كقوله: