كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد الله الذي كلمني تكليمًا، واصطفاني، وأنزل علي التوراة، وجعل هلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قومًا يهدون بالحق وبه يعدلون.
ثم إن داود أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكًا عظيمًا وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن معي والطير وآتاني الحكمة وفصل الخطاب.
__________
وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
"قانتًا" مطيعًا، "ثؤتم": يقتدى "بي، وأنقذني من النار، وجعلها علي بردًا": ذهبت حرارتها: فلم تحرق غير وثاقه، وبقيت إضاءتها، "وسلامًا" سلم من الموت ببردها، "ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليمًا" بلا واسطة "واصطفاني"، واختارني على أهل زماني.
قال تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] ، "وأنزل علي التوراة" فيها هدى ونور، وسماها الله تعالى الفرقان لفرقها بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وبصائر للناس، وهدى ورحمة، "وجعل هلاك فرعون" على يدي، "ونجاة بني إسرائيل على يدي"، يتنازعه هلالك ونجاة، "وجعل من أمتي قومًا يهدون" الناس "بالحق، وبه يعدلون" ويحكمون، "ثم إن داود أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكًا عظيمًا" في بني إسرائيل، ولم يجتمعوا على نبي قبله، "وعلمني الزبور": كتاب الله المنزل عليه، "وألان في الحديد"، فكان في يدي كالعجين، "وسخر لي الجبال، يسبحن معي" بالعشي، وقت صلاة العشاء، والإشراق وقت صلاة الضحى، وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها.
وفي التنزيل: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10] ، أي: سبحي معه، قاله مجاهد: رواه الفريابي، وعن الضحاك: هو التسبيح، بلغة الحبشة، قال ابن كثير: فيه نظر، فالتأويب لغة الترجيح، وقال وهب: نوحي معه، وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها، أو بحملها إياه على التسبيح، إذا تأمل فيها، وقيل: سيري معه حيث سار والتضعيف للتكثير، "والطير"، قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79] ، للتسبيح معه لأمره به، إذا وجد فترة لينشط للتسيبح، "وآتاني الحكمة" النبوة والإصابة في الأمور، "وفصل الخطاب"، البيان الشافي في كل قصد.
وفي البيضاوي: وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل، أو الكلام الملخص الذي ينبه